ما هي الباريدوليا؟

16

الباريدوليا هي ظاهرة نفسية يستجيب فيها الدماغ لمنبهات بصرية أو سمعية عشوائية، فـ”يخلق” منها شكلًا مألوفًا. على سبيل المثال، رؤية وجوه بشرية في أنماط ورق الجدران، أو سماع نغمة موسيقية في ضجيج الريح. هذه الظاهرة معروفة وشائعة، وتعد من الأسس التي تجعلنا نبحث عن المعنى في كل ما حولنا، حتى لو لم يكن هناك أي قصد أو معنى أصلاً.
يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات حول الباريدوليا من خلال ويكيبيديا – Pareidolia.

يعتبرها السكان المحليون “شجرة التفكير”. يبلغ عمر هذه شجرة الزيتون في منطقة أبوليا (Puglia) أكثر من 1500 عام. يظهر جذعها المتشابك وكأنه وجه بشري يفكّر بعمق، حيث تحوّلت الخطوط والتجاويف العشوائية إلى ملامحٍ أقرب إلى الحكمة والوقار.

في صورة خلابة التقطها المصوّر “دافيدي باسيلي” (Davide Basile)، تبدو سحب الرماد المنبعث من ثوران جبل إيتنا في صقلية وكأنها طائر العنقاء الأسطوري ينهض من بين ألسنة اللهب والدخان. المشهد يذكّرنا بقوة الطبيعة وقدرتها على رسم لوحات تتحدى الخيال.

أسطورة قديمة تحكي قصة عروس فقدت عريسها يوم الزفاف جراء صراع عائلي. طلبت العروس من أمّ الطبيعة أن تحوّلها إلى شلال، فصار الماء المتدفق وكأنه فستان عروس منساب على الصخور. المنظر يستحضر في الأذهان الحزن والحب والمأساة في آنٍ واحد، حيث تتحول الطبيعة إلى راويةٍ لقصص البشر.

توجد في تايلاند ولاوس تشكيلات صخرية تبدو للناظر وكأنها أفعى عملاقة متحجّرة. الانحناءات والحواف الطبيعية لهذه الصخور تخلق وهمًا بصريًا مدهشًا يثير التساؤل حول ما إذا كانت يد الطبيعة نحّاتًا فذًا.

في صورة التقطتها المصورة “جايمي براون” (Jayme Brown)، تبدو السحب وكأنها وجهٌ ينحني نحو الأرض ليهمس لها بشيء ما. هذا المزج البصري بين السماء والأرض يذكّرنا بعلاقة الإنسان بالكون، وببحثنا الدائم عن معاني عميقة في الفراغ.

عند قلب صورة لسمكة قرش بيضاء كبيرة، تتحول ملامحها إلى ما يشبه وجه شيطان ضاحك. هذه الخدعة البصرية تثبت مدى بساطة تحوّل شكل حيّ إلى صورة ذهنية مختلفة تمامًا عندما نغيّر زاوية النظر.

تشكيل صخري يُعرف باسم “صخرة التنين المستلقي” (Resting Dragon Rock) في منطقة فو لانكا (Phu Langka) بتايلاند. عندما تنظر إليها من زاوية معينة، ستجد رأس التنين وجسده وكأنه في قيلولة أبدية.

في جزيرة هايمآي (Heimaey) بأرخبيل جزر فيستمان جنوب آيسلندا، توجد صخرة ضخمة تشبه رأس فيل يشرب من البحر. المشهد يوحي بأن الطبيعة تنحت منحوتات عملاقة دون أي أزميل.

قبالة ساحل أمالفي في إيطاليا، توجد جزيرة تُعرف باسم “Gallo Lungo” وتبدو في شكلها العام كدولفين ينزلق فوق سطح الماء. الجزيرة جزء من أرخبيل “Li Galli” التابع لبلدية بوسيتانو، وتعكس انسجامًا بديعًا بين الشكل الجغرافي والتخيل البشري.

بالقرب من مدينة أنتيكيرا (Antequera) في مقاطعة مالقة بالأندلس، يبدو جبل “Montaña del Indio” وكأنه رأس هندي أمريكي ينظر نحو السماء. يبرهن هذا المشهد على أن الطبيعة قد تصوّر لنا ثقافات بأكملها في تراكيبها الصخرية.

المصوّر أوغو دي جيامّاركو (Ugo Di Giammarco) التقط صورة لكتلة الغران ساسو الجبلية ثم قام فقط بتدوير الصورة وتعديل توازن الألوان. النتيجة: تكوين بصري يوحي بوجه أو هيئة كائن خفي دون أي تعديل فوتوشوب عميق.

في مدينة نوفا فريبورغو (Nova Friburgo) جنوب شرق البرازيل، هناك صخرة معروفة باسم “Sitting Dog Rock”. من زاوية محددة، تبدو الصخرة ككلب ضخم يجلس متأملًا المشهد الطبيعي.

قرية سينتوريب (Centuripe) في صقلية تُشاهد من الأعلى فتظهر وكأنها جسم إنساني مستلقٍ. هذا المشهد ليس طبيعة فحسب، بل مزيجٌ من التخطيط البشري والجيولوجيا ليشكّل صورة إنسانية على نطاق حضري.

في مشهد فريد، يسقط الضوء أسفل أحد الجسور ليصنع انعكاسًا مائيًا يشبه الهلال. هذه التفاصيل البسيطة قد تمر دون ملاحظة، لكن من يملك عينًا فضولية سيكتشف جمال الباريدوليا في كل زاوية.

صورة لناقلة النفط “Amoco Cadiz” التي جنحت قبالة سواحل بريتاني عام 1978، تبدو وكأنها حوت عملاق يطفو على سطح المحيط، مشهد يستحضر فكرة تحول الكارثة إلى لوحة سريالية.

تقع جزيرة تافولارا (Tavolara) قبالة الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة سردينيا، وتبدو مثل قطة نائمة بهدوء. هذا التشابه يوحي بهدوء الجزيرة وجمال تضاريسها.

الفنان الأوكراني أوليج شوبلياكس مشهور برسم لوحات تتضمن أشكالًا خفية. إحدى لوحاته تظهر وجوهًا مختبئة بذكاء في مشهد طبيعي، مما يضع الباريدوليا في سياق فني متعمّد.

في بعض الصور الشهيرة على الإنترنت، تُرى وجوه حيوانات أو ملامح كرتونية تشبه شخصيات معروفة مثل “Sir Patrick Stewart” ولكن بطريقة مرحة باسم “Sir PAWtrick Stewart”. هذه الأمثلة تثبت أن الباريدوليا ليست حكرًا على الطبيعة بل تمتد إلى مزحات الإنترنت.

تشكيل صخري عمره 75 مليون سنة، يُعرف باسم “صخرة الحيتان الثلاث” (Three Whale Rock) في تايلاند. حين تنظر إليها من زاوية محددة، تبدو وكأنها ثلاثة حيتان عملاقة تسبح في جبل صخري، محوّلة الصخور الصمّاء إلى مشهد بحري.

صورة معروفة باسم “070A13” التقطتها مركبة فضائية في سبعينيات القرن الماضي، تظهر ما يشبه وجهًا بشريًا على سطح المريخ في منطقة سيدونيا. هذه الظاهرة سببت جدلًا كبيرًا حول وجود حياةٍ ذكية، قبل أن يتبيّن لاحقًا أنها مجرد لعبة ظلال وإنارة.

يعتقد العلماء أن الباريدوليا نتاج جانبي لآلية الدماغ في التعرّف على الوجوه والأشكال بسرعة فائقة، وهي خاصية تطوّرية مهمة للبقاء. رؤية الوجوه والأشكال المألوفة في العالم المحيط تُشعرنا بالألفة، وتساعدنا على فهم البيئة من حولنا بسرعة. هذه الميزة مفيدة في حالات الخطر، ولكنها تمتد لتصبح مصدر إلهام وإبداع عند تأمّلنا المناظر الطبيعية.


الباريدوليا ليست مجرد ظاهرة نفسية عابرة، بل هي عدسة سحرية نرى من خلالها جمال العالم وقدرة عقولنا على إضفاء المعنى على الفوضى. من شجرة الزيتون العتيقة في إيطاليا، إلى صخور الحيتان في تايلاند، وصولًا إلى “وجه” المريخ، تقدّم لنا هذه الأمثلة دليلًا حيًّا على أننا نستطيع تحويل الطبيعة إلى معرض فني ممتد على سطح الكوكب وما وراءه.
إن ما نراه ليس الحقيقة دائمًا، بل ترجمة مبدعة لعقلٍ يتوق إلى فهم المحيط، ويمنح العشوائية معنى وجمالًا.

المصادر والروابط
ظاهرة الباريدوليا – ويكيبيديا (بالإنجليزية)
موقع سياحة تايلاند الرسمي
معلومات عن جزيرة تافولارا، سردينيا – الموقع الرسمي للسياحة في إيطاليا
معلومات عن جزر أمالفي في إيطاليا – Visit Amalfi Coast
جبل إيتنا، صقلية – موقع اليونسكو