جسر أوفرتون ،، لغز الجسر الذي أصاب الكلاب بالجنون ودفعهم للانتحار
جسر أوفرتون (Overtoun Bridge). في بقعة هادئة وذات جمال خلاب في اسكتلندا، يقف هذا الجسر الحجري الأثري. لكن، خلف تصميمه الفيكتوري الأنيق وموقعه الساحر، يكمن لغز مروع ومحير. في الواقع، اكتسب هذا الجسر شهرة عالمية لسبب مأساوي: إنه المكان الذي شهد، على مدى أكثر من سبعين عامًا، حالات غامضة ومتكررة من قفز الكلاب من فوقه، فيما أصبح يُعرف إعلاميًا بظاهرة “انتحار الكلاب”.
إن هذا اللغز الذي يجمع بين العلم، والفولكلور، والمأساة، حيّر الخبراء والسكان المحليين على حد سواء. فما الذي يدفع هذه الحيوانات الوفية للقفز من ارتفاع شاهق دون تردد؟ هل هي قوة خفية، أم رائحة لا تقاوم، أم مجرد وهم بصري مأساوي؟ لذلك، في هذا المقال الشامل، سنغوص في أعماق لغز جسر أوفرتون. حيث سنستكشف تاريخه، الحوادث الموثقة، وأهم النظريات التي حاولت فك شفرة هذا الغموض الذي يجعل من هذا الجسر واحدًا من أكثر الأماكن رعبًا وغموضًا في العالم.
الموقع والتاريخ: مسرح الأحداث الغامضة
لكي نفهم اللغز، يجب أن نفهم المكان أولاً. يقع جسر أوفرتون في بلدة دمبارتون باسكتلندا. وقد قام اللورد أوفرتون ببنائه في عام 1895. والهدف من بنائه كان توفير ممر فوق وادٍ عميق يُعرف باسم “أوفرتون بورن”، والذي يفصل بين ممتلكاته الشاسعة. ويؤدي الجسر مباشرة إلى قصر أوفرتون، وهو بناء تاريخي مهيب تحيط به الحدائق الغناء. وعلى الرغم من أن المهندس المعماري صمم الجسر ليكون مدخلاً دراماتيكيًا للقصر، إلا أنه لم يكن يتخيل أبدًا أنه سيتحول إلى مسرح لأحداث بهذه الغرابة.

لغز انتحار الكلاب: نمط محير من الحوادث
بدأت الظاهرة الغريبة في جذب الانتباه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، تزايدت التقارير بشكل مطرد. حيث تشير التقديرات إلى أن مئات الكلاب قد قفزت من فوق الجسر، ومات الكثير منها نتيجة السقوط من ارتفاع 15 مترًا على الصخور في الأسفل. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو وجود نمط مشترك ومحير في جميع هذه الحوادث تقريبًا.
1. نمط الحوادث الموثقة
بشكل لا يصدق، تحدث معظم حوادث القفز من نفس المكان تقريبًا. تحديدًا، بين آخر حاجزين حجريين على الجانب الأيمن من الجسر عند الاتجاه من جهة القصر. وهذا التحديد الدقيق للموقع أثار حيرة الباحثين وجعل من الصعب تجاهل الظاهرة واعتبارها مجرد حوادث عشوائية.
2. عوامل مشتركة بين الحوادث
- السلالات المتأثرة: يبدو أن الكلاب ذات الأنوف الطويلة، مثل سلالات اللابرادور، الكولي، والغولدن ريتريفر، هي الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة. وهذا يشير بقوة إلى أن حاسة الشم قد تلعب دورًا رئيسيًا في تحفيز هذا السلوك.
- الظروف الجوية: على عكس المتوقع، تقع معظم الحوادث في الأيام الصافية والمشمسة والجافة، وليس في الأيام العاصفة أو الممطرة.
- السلوك المفاجئ وغير المبرر: دائمًا ما يروي أصحاب الكلاب قصصًا متشابهة بشكل لافت. حيث يكون الكلب هادئًا وطبيعيًا، ثم فجأة، عند الوصول إلى تلك البقعة المحددة من الجسر، يتجمد للحظة، كما لو أنه استشعر شيئًا ما. بعد ذلك، يندفع بقوة نحو الحافة ويقفز دون أي تردد أو نباح.
3. شهادات أصحاب الكلاب وقصص الناجين
لقد أفاد العديد من أصحاب الكلاب بأن حيواناتهم تصرفت بطريقة غريبة عند الاقتراب من الجسر. حيث أظهرت بعض الكلاب علامات القلق والخوف الشديد، بينما اندفع البعض الآخر فجأة نحو الحافة وقفز دون تردد. والأكثر غرابة هو أنه تم تسجيل حالات لكلاب نجت من السقوط، ثم في زيارة لاحقة إلى الجسر، حاولت القفز مرة أخرى من نفس المكان تمامًا، كما لو كانت تحت تأثير قوة لا تقاوم.
التفسيرات المحتملة: بين العلم والخوارق
على مر السنين، ظهرت العديد من النظريات التي تحاول تفسير هذا السلوك المأساوي. وتنقسم هذه النظريات بشكل أساسي إلى تفسيرات علمية وأخرى خارقة للطبيعة.
1. التفسير العلمي: عاصفة حسية من الروائح
تعتبر هذه هي النظرية الأكثر قبولًا في الأوساط العلمية. وقد قاد التحقيق فيها الدكتور ديفيد ساندز، وهو خبير في سلوك الحيوان. وبعد دراسة مستفيضة للمنطقة، خلص إلى أن مجموعة من العوامل الطبيعية قد تخلق “عاصفة حسية مثالية” للكلاب:
- رائحة حيوان المنك: أولاً، الوادي الموجود أسفل الجسر هو موطن مثالي لحيوانات المنك، وهي ثدييات صغيرة تطلق رائحة قوية ونفاذة جدًا من غددها الشرجية لتحديد منطقتها. وهذه الرائحة قوية لدرجة أنها قد تكون ساحرة ومحفزة للغاية للكلاب التي تتمتع بحاسة شم أقوى من حاسة شم الإنسان بآلاف المرات.
- تضاريس الجسر: ثانيًا، تصميم الجسر ذو الجدران الحجرية الصلبة قد يعمل كقناة تحبس هذه الروائح وتوجهها إلى الأعلى مباشرة عند تلك البقعة المحددة التي تقفز منها الكلاب. وبالتالي، يصبح تركيز الرائحة في تلك النقطة لا يقاوم.
- الوهم البصري: أخيرًا، من منظور الكلب القصير، قد لا تبدو حافة الجسر وكأنها نهاية مفاجئة. فالغطاء النباتي الكثيف في الوادي قد يوهم الكلب بوجود أرض صلبة ومستمرة يمكنه القفز إليها لمطاردة مصدر الرائحة.
إذًا، ووفقًا لهذه النظرية، فإن الكلاب لا “تنتحر”. بل تندفع بغريزتها نحو رائحة مثيرة، غير مدركة للسقوط المميت الذي ينتظرها. ويمكنك قراءة المزيد عن هذه التحقيقات في مصادر مثل صحيفة ديلي ميل البريطانية.
2. التفسير الصوتي: موجات خارج نطاق السمع البشري
تقترح نظرية أخرى أن المنطقة قد تكون مصدرًا لأصوات أو ترددات معينة لا يستطيع البشر سماعها، ولكنها تسبب إزعاجًا أو ارتباكًا شديدًا للكلاب. حيث أن الكلاب تسمع نطاقًا أوسع بكثير من الترددات. ويمكن أن تكون هذه الأصوات ناتجة عن أعمدة الكهرباء القريبة أو عن جريان المياه في الوادي بطريقة معينة. ومع ذلك، لم يتم إثبات هذه النظرية بشكل قاطع.
3. التفسير الخارق للطبيعة: أسطورة السيدة البيضاء ومأساة إنسانية
كما هو الحال مع العديد من الأماكن الغامضة، نسج الفولكلور المحلي قصصًا خارقة للطبيعة حول الجسر. وأشهر هذه الأساطير هي قصة “السيدة البيضاء لأوفرتون”، وهي روح امرأة حزينة يُقال إنها تجوب الجسر والقصر بعد وفاة زوجها. بالإضافة إلى ذلك، شهد الجسر مأساة حقيقية في عام 1994، عندما قام رجل يدعى كيفن موي بإلقاء طفله الرضيع من فوق الجسر، معتقدًا أنه المسيح الدجال. ويعتقد بعض المؤمنين بالخوارق أن هذه الأحداث المأساوية تركت طاقة سلبية في المكان، وأن الكلاب، بحساسيتها الشديدة، قد تكون قادرة على استشعار هذا الوجود الخارق، مما يدفعها إلى القفز إما خوفًا أو انجذابًا. وهذا يذكرنا بألغاز أخرى حيرت العالم مثل لغز مثلث برمودا.
هل هناك حل للغز؟ إجراءات السلامة
على الرغم من أن نظرية رائحة المنك تبدو الأكثر منطقية، إلا أن لغز جسر أوفرتون لم يُحل بالكامل بعد. ونظرًا للغموض المستمر والعدد الكبير من الحوادث، تم اتخاذ بعض الإجراءات. حيث قامت السلطات المحلية بوضع لافتة تحذيرية رسمية في بداية الجسر. وتحمل اللافتة عنوان “جسر خطير”، وتنصح أصحاب الكلاب بإبقاء حيواناتهم مقيدة بالمقود طوال فترة عبور الجسر. وينصح الخبراء باتباع الخطوات التالية:
- استخدام المقود دائمًا: هذه هي أهم نصيحة. لا تسمح لكلبك بالتجول بحرية على الجسر.
- مراقبة ردود فعل الكلب: انتبه لأي سلوك غير عادي مثل التوتر، التجمد، أو الشم المفرط للهواء.
- تجنب المرور من المنطقة: إذا كان كلبك معروفًا بقلقه أو لديه غريزة صيد قوية، فمن الأفضل تجنب الجسر تمامًا.
الخاتمة: لغز مستمر يجمع بين العلم والغموض
في الختام، لا يزال جسر أوفرتون لغزًا حيّر العلماء وأصحاب الحيوانات الأليفة على حد سواء. فبينما تقدم التفسيرات العلمية إطارًا منطقيًا لفهم الظاهرة، إلا أن الغموض لم يُحل بالكامل بعد. وسواء كان السبب هو تفاعل طبيعي معقد مع البيئة، أو أن هناك قوى أخرى خفية تؤثر على الكلاب، سيظل هذا الجسر واحدًا من أكثر الأماكن غموضًا وإثارة للقلق في العالم. إنه يظل تذكيرًا مؤثرًا بأن هناك جوانب في عالم الحيوان لا نزال نجهلها، وأن الطبيعة قد تخفي أحيانًا ألغازًا أكثر تعقيدًا مما نتخيل.





