أقدم 5 دول في أوروبا: رحلة عبر تاريخ القارة العريق
أقدم الدول في أوروبا. عندما نتجول في شوارع روما المرصوفة بالحصى، أو نقف أمام آثار الأكروبوليس في أثينا، نشعر بأننا نسير على خطى التاريخ نفسه. في الواقع، تمتلئ قارة أوروبا بدول ذات تاريخ عريق وممتد يعود إلى آلاف السنين. فهي ليست مجرد كيانات سياسية حديثة. بل هي نتاج قرون من الحروب، الإمبراطوريات، الثورات، والتحولات الثقافية التي ساهمت في تشكيل العالم الحديث الذي نعيش فيه اليوم. إن معرفة أقدم هذه الدول لا يمنحنا فقط لمحة عن الماضي، بل يساعدنا أيضًا على فهم الحاضر.
لذلك، في هذا المقال الشامل، سنقوم برحلة عبر الزمن لاستكشاف أقدم الدول في أوروبا. لكن، من المهم أن نوضح أولاً أن تحديد “الأقدم” هو أمر معقد. فهل نقصد أقدم حضارة ظهرت على أرضها، أم أقدم مملكة تم توحيدها، أم أقدم جمهورية لا تزال قائمة؟ سنتناول كل هذه الجوانب. حيث سنبدأ بأقدم جمهورية في العالم، ثم ننتقل إلى الممالك التي تشكلت في العصور الوسطى، ونستعرض كيف أن إرث هذه الدول العريقة لا يزال حيًا وقويًا. استعد لرحلة تاريخية تكشف عن جذور أوروبا العميقة.
1. سان مارينو – أقدم جمهورية مستقلة في العالم (تأسست عام 301 م)
عندما نتحدث عن أقدم الدول في أوروبا، فإن جمهورية سان مارينو الصغيرة تقف في صدارة القائمة بلا منازع. فهي لا تحمل فقط لقب أقدم دولة في أوروبا، بل هي أيضًا أقدم جمهورية دستورية لا تزال قائمة في العالم. وتقع هذه الدولة الصغيرة بالكامل داخل الأراضي الإيطالية، على سفوح جبل تيتانو.
قصة التأسيس: ملاذ من الاضطهاد
تعود قصة تأسيس سان مارينو إلى عام 301 ميلادي. حيث تقول الأسطورة إن قاطع حجارة مسيحيًا يدعى القديس مارينوس هرب من الاضطهاد الروماني في جزيرة أربا (كرواتيا حاليًا). وقد وجد ملاذًا على قمة جبل تيتانو، حيث أسس مجتمعًا مسيحيًا صغيرًا ومستقلاً. وعلى مر القرون، نجحت هذه الجمهورية الصغيرة في الحفاظ على استقلالها وسيادتها ببراعة دبلوماسية مذهلة، على الرغم من التقلبات السياسية والحروب التي أحاطت بها.
واليوم، لا تزال سان مارينو تحكم بموجب دستور يعود تاريخه إلى عام 1600، وهو من أقدم الدساتير المكتوبة في العالم. ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياحة، الخدمات المصرفية، وإصدار الطوابع البريدية والعملات التذكارية. وتقدم مصادر موثوقة مثل موسوعة بريتانيكا نظرة مفصلة على تاريخها الفريد.

2. فرنسا – وريثة مملكة الفرنجة (تأسست عام 843 م)
على الرغم من أن تاريخ فرنسا يعود إلى العصور الرومانية والقبلائل الغالية، إلا أن ولادة فرنسا ككيان سياسي متميز غالبًا ما تُؤرخ بعام 843 ميلادي. ففي هذا العام، تم توقيع معاهدة فردان.
من شارلمان إلى ولادة فرنسا
قبل هذه المعاهدة، كانت معظم أراضي فرنسا وألمانيا حاليًا جزءًا من الإمبراطورية الكارولنجية الشاسعة تحت حكم الإمبراطور شارلمان. لكن، بعد وفاته، اندلعت حرب أهلية بين أحفاده الثلاثة. وقد أنهت معاهدة فردان هذه الحرب عن طريق تقسيم الإمبراطورية إلى ثلاث ممالك: فرنسا الشرقية (التي أصبحت نواة ألمانيا)، فرنسا الوسطى، وفرنسا الغربية (West Francia)، التي أصبحت نواة مملكة فرنسا. ومنذ ذلك الحين، تطورت فرنسا لتصبح قوة أوروبية كبرى، ولعبت دورًا محوريًا في تشكيل الفن، الثقافة، الفلسفة، والسياسة الحديثة.
3. الدنمارك – مملكة الفايكنج العريقة (تأسست حوالي عام 965 م)
تعتبر الدنمارك واحدة من أقدم الملكيات المستمرة في أوروبا والعالم. وعلى الرغم من وجود ملوك أسطوريين قبل ذلك، إلا أن الملك هارالد بلوتوث (Harald Bluetooth) يُعتبر الموحد الحقيقي للدنمارك. ففي حوالي عام 965، أعلن في نقش حجري شهير أنه “وحد كل الدنمارك والنرويج” و”جعل الدنماركيين مسيحيين”.
وقد كانت الدنمارك في ذلك الوقت جزءًا رئيسيًا من عصر الفايكنج. حيث انطلق المستكشفون والمحاربون الدنماركيون في رحلات عبر البحار، تاركين بصمتهم على شمال أوروبا. واليوم، لا تزال الدنمارك مملكة دستورية حديثة، وإرثها الفايكنجي لا يزال جزءًا مهمًا من هويتها الوطنية.
4. البرتغال – أول إمبراطورية بحرية عالمية (تأسست عام 1139 م)
تتميز البرتغال بكونها واحدة من أقدم الدول القومية في أوروبا التي حافظت على حدودها الحالية تقريبًا دون تغيير كبير. وقد أعلنت استقلالها عن مملكة ليون (في إسبانيا حاليًا) في عام 1139، بقيادة أول ملوكها، أفونسو الأول.
لكن الإرث الحقيقي للبرتغال يكمن في البحر. ففي القرن الخامس عشر، أطلقت البرتغال “عصر الاستكشاف”. حيث أبحر مستكشفوها الشجعان، مثل فاسكو دا غاما وبارثولوميو دياز، إلى المجهول، ورسموا خرائط لسواحل أفريقيا، ووجدوا طريقًا بحريًا مباشرًا إلى الهند. ونتيجة لذلك، أنشأت البرتغال أول إمبراطورية بحرية عالمية، امتدت من البرازيل إلى الهند واليابان.
إن هذا التاريخ البحري العريق يذكرنا بقصص الجزر المفقودة التي بحث عنها المستكشفون.
5. سويسرا – أرض الحياد والاتحاد (تأسست عام 1291 م)
بدأت قصة سويسرا الحديثة في عام 1291. حينها، اجتمعت ثلاث مقاطعات جبلية صغيرة (كانتونات) ووقعت على “الميثاق الفيدرالي”، وهو تحالف دفاعي ضد القوى الخارجية، وخاصة آل هابسبورغ النمساويين. وقد شكل هذا الاتحاد نواة ما أصبح يُعرف لاحقًا بالاتحاد السويسري القديم.
وعلى مر القرون، انضمت المزيد من الكانتونات إلى الاتحاد. وقد اشتهرت سويسرا بجيشها القوي من المرتزقة. لكنها تبنت سياسة الحياد الدائم منذ عام 1815. واليوم، تُعرف سويسرا بنظامها الديمقراطي المباشر، استقرارها السياسي، ودورها كمركز مالي عالمي ومقر للعديد من المنظمات الدولية.
إن هذا التاريخ المتنوع يذكرنا بأن أوروبا ليست كتلة واحدة، كما نوضح في مقالنا عن الفرق بين إنجلترا وبريطانيا.
جذور عميقة في تربة التاريخ
في الختام، من الواضح أن أوروبا تمتلك تاريخًا غنيًا ومعقدًا، تتشابك فيه قصص الدول القديمة التي شكلت مسار الحضارة الإنسانية. فمن جمهورية سان مارينو الصامدة، إلى ممالك الفايكنج القوية، والإمبراطوريات البحرية الجريئة، أثرت هذه الدول في كل شيء، من السياسة والاقتصاد إلى اللغة والثقافة. واليوم، لا تزال هذه الدول تحافظ على تراثها الغني بكل فخر، بينما تواصل مواكبة تطورات العالم الحديث، لتثبت أن الجذور العميقة هي أساس النمو القوي نحو المستقبل.
اقرأ في مقالنا عن: أماكن في مانشستر لا يجب تفويتها
معظمها عربية.. أقدم 10 مدن حول العالم ما زالت مأهولة





