الألوان عند إغلاق العينين: بين الدماغ والضوء والوهم
هل سبق لك أن أغلقت عينيك، ثم رأيت ومضات ضوئية أو ألوانًا زاهية تتحرك أمامك؟
ربما تكون خيوطًا لامعة، أو دوائر متداخلة، أو ضوء أرجواني نابض في الظلام. الغريب في الأمر أن هذا يحدث دون وجود ضوء خارجي، فما الذي يحدث في الحقيقة؟ الألوان عند إغلاق العينين
في هذا المقال، سنستعرض تفسير ظاهرة الألوان عند إغلاق العينين، ونستكشف ما يقوله العلم عن هذه الظاهرة الغامضة التي تحدث داخل عقولنا.
ما هي هذه الألوان الزاهية التي نراها؟
يطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم “الفوسفينات” (Phosphenes)، وهي إحساس مرئي يحدث دون دخول ضوء فعلي إلى العين.
وتظهر على شكل ومضات، نقاط، دوائر، أو خطوط مضيئة بألوان مختلفة – غالبًا ما تكون بنفسجية، زرقاء، أو بيضاء – وتحدث حتى عند إغلاق العينين تمامًا.
ما سبب رؤية الألوان عند إغلاق العينين؟
1. النشاط العصبي في الدماغ
السبب الرئيسي هو أن الدماغ لا يتوقف أبدًا عن العمل، حتى عند إغلاق العينين.
المنطقة المسؤولة عن معالجة الرؤية تُسمى الفص القذالي (Occipital Lobe)، ويمكن أن تستجيب لإشارات داخلية من الجهاز العصبي حتى في غياب الضوء.
2. الضغط على العين
عند فرك العينين أو الضغط عليهما برفق، يمكن أن ترى ومضات أو دوائر ضوئية.
هذا ناتج عن تحفيز الخلايا الشبكية ميكانيكيًا، حيث تترجم الشبكية الضغط إلى إشارة كهربائية تُفسر في الدماغ على أنها ضوء.
3. الذكريات البصرية والتخيل
أحيانًا، يُعيد الدماغ تشكيل صور وألوان من الذاكرة، خاصة عند الاسترخاء أو التأمل أو قبل النوم.
4. الإشارات العشوائية داخل العصب البصري
العين لا تنقل دائمًا صورة ثابتة فقط، بل قد تُصدر إشارات كهربائية غير منظمة، يفسرها الدماغ كضوء متحرك أو لون نابض.
مصدر علمي: بحث من معهد ماكس بلانك حول الفوسفينات
هل هذه الظاهرة خطيرة؟
في معظم الحالات، لا. رؤية الألوان عند إغلاق العينين تعتبر ظاهرة طبيعية شائعة جدًا، وتحدث لدى الأشخاص الأصحاء من مختلف الأعمار.
ومع ذلك، هناك حالات قد تستدعي الانتباه:
- إذا كانت الألوان مصحوبة بصداع شديد أو دوار
- إذا ظهرت فجأة بدون سبب واضح وبشكل متكرر
- إذا كنت ترى وميضًا قويًا مع فقدان جزئي للرؤية
في هذه الحالات، يُنصح بمراجعة طبيب العيون أو الأعصاب لأنها قد تشير إلى مشاكل في الشبكية أو الجهاز العصبي.
متى نرى الألوان الزاهية بوضوح أكثر؟
- قبل النوم مباشرة (مرحلة الانتقال بين اليقظة والنوم)
- أثناء التأمل أو تمارين الاسترخاء
- بعد التعرض لضوء ساطع ثم دخول غرفة مظلمة
- بعد فرك العينين أو البكاء
- في الظلام الكامل (مثل الجلوس في غرفة مظلمة لفترة طويلة)
هل تختلف الألوان من شخص لآخر؟
نعم، تختلف حسب:
- تركيبة العين والشبكية
- حالة الشخص النفسية والعقلية
- درجة الإضاءة التي تعرض لها قبل إغلاق العينين
- مدى نشاط الفص القذالي في الدماغ
بعض الناس يرون ألوانًا ساطعة ومتحركة، بينما يراها آخرون باهتة أو ثابته.
ما الفرق بين الألوان عند إغلاق العينين والرؤى البصرية (الهلاوس)؟
- الألوان عند إغلاق العينين مرتبطة بنشاط عصبي طبيعي، ولا تُعد هلوسة.
- الهلاوس البصرية تظهر أثناء اليقظة المفتوحة، وتدل غالبًا على مشكلة عصبية أو نفسية.
ماذا يقول العلم الحديث؟
تؤكد الدراسات العصبية الحديثة أن:
- الدماغ يملأ الفراغ البصري حتى عندما لا يرى، ويستمر في إرسال إشارات لمعالجة الصور.
- بعض الأشخاص الذين فقدوا البصر حديثًا لا يزالون يشعرون بـ”الضوء” بسبب الفوسفينات.
- هذه الظاهرة تُستخدم حاليًا في أبحاث طبية لتطوير أجهزة رؤية إلكترونية للمكفوفين.
تجارب مرتبطة: التأمل والرؤية الداخلية
بعض ممارسي التأمل واليوغا يربطون هذه الألوان بما يسمونه “الرؤية الداخلية” أو “فتح العين الثالثة”.
وفي حين أن هذه التفسيرات روحية أو فلسفية، فإن العلم يُرجعها إلى تغيرات في نشاط الدماغ خلال التركيز والتنفس العميق.
هل يمكن التحكم في هذه الألوان؟
ليس بشكل كامل، لكنها تظهر غالبًا عندما:
- تكون العينان مغمضتين والبيئة هادئة
- يكون الدماغ في حالة استرخاء أو “ألفا ويف” (موجات دماغية بطيئة)
- تزيد فرصة رؤيتها أثناء الشرود الذهني
ماذا تعني الألوان التي نراها عند إغلاق العينين؟
إنها رسائل كهربائية مرسلة من الدماغ، تظهر لنا كألوان زاهية نابضة بالحياة.
ليست إشارات خارقة ولا حالة مرضية في الغالب، بل دليل على أن الدماغ والعين لا يتوقفان عن التفاعل حتى في غياب الضوء.
ففي كل مرة تغلق فيها عينيك وترى تلك الألوان، تذكّر أن وراء الظلام هناك عالم داخلي مليء بالنشاط والإدراك.
