أشهر 5 جزر مفقودة: قصص الأراضي الشبحية التي اختفت من الخرائط
جزر مفقودة. تخيل أن تبحر في المحيط الشاسع، مسترشدًا بخريطة قديمة تعدك بالوصول إلى جزيرة غامضة. لكن، عندما تصل إلى الإحداثيات المحددة، لا تجد شيئًا سوى أمواج المحيط اللامتناهية. في الواقع، هذه ليست مجرد حبكة لقصة قراصنة. بل هي حقيقة تاريخية وجغرافية تُعرف بظاهرة “الجزر الشبحية” أو الجزر المفقودة. فهناك العديد من الجزر التي تم توثيقها ورسمها بدقة على الخرائط من قبل مستكشفين وبحارة مشهورين في الماضي، لكنها اختفت فجأة من عالمنا، تاركة وراءها لغزًا محيرًا.
لذلك، في هذا المقال الشامل، سنبحر في عالم هذه الأراضي الغامضة. حيث سنستكشف قصص أشهر الجزر المفقودة التي حيرت العلماء ورسامي الخرائط لقرون. أولاً، سنتعرف على قصة كل جزيرة، كيف “اكتُشفت”، وكيف “اختفت”. بعد ذلك، سنغوص في التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة، من الأخطاء البشرية البسيطة إلى الظواهر الطبيعية الكارثية. وفي النهاية، ستدرك أن الخرائط التي نثق بها اليوم هي نتاج قرون من الاستكشاف، التصحيح، ومحو الأخطاء التي كانت يومًا ما حقائق جغرافية.
1. جزيرة ساندي – المحيط الهادئ: الشبح الذي خدع خرائط جوجل
تعتبر قصة جزيرة ساندي (Sandy Island) واحدة من أشهر الأمثلة الحديثة على الجزر المفقودة. فقد ظهرت هذه الجزيرة على الخرائط لأكثر من قرن. حيث وثقها لأول مرة المستكشف البريطاني الشهير الكابتن جيمس كوك في عام 1774. وبقيت تظهر على الخرائط البحرية، وحتى على منصات حديثة مثل خرائط جوجل، كبقعة سوداء تقع بين أستراليا وكاليدونيا الجديدة.
الاكتشاف الصادم
في عام 2012، انطلقت بعثة علمية أسترالية على متن سفينة أبحاث لاستكشاف المنطقة. وعندما وصلوا إلى الإحداثيات الدقيقة لجزيرة ساندي، تفاجأوا بمشهد محير. فلم تكن هناك أي جزيرة. بل لم يجدوا سوى مياه المحيط المفتوحة التي يصل عمقها إلى أكثر من 1,400 متر. وبعد هذا الاكتشاف، تم “محو” الجزيرة رسميًا من الخرائط العالمية.
التفسير المحتمل
يعتقد العلماء الآن أن ما رآه الكابتن كوك ربما لم يكن جزيرة على الإطلاق. فمن المحتمل أنه كان “ثَفَنًا خفافيًا” (pumice raft)، وهو عبارة عن تجمع هائل من صخور الخفاف البركانية خفيفة الوزن التي تطفو على سطح الماء بعد ثوران بركان تحت سطح البحر. وهذه التجمعات يمكن أن تمتد لكيلومترات وتبدو من بعيد وكأنها أرض صلبة.

2. هاي برازيل (Hy-Brasil): الجزيرة الأسطورية غرب أيرلندا
لمدة قرون، ظهرت جزيرة غامضة تسمى “هاي برازيل” على الخرائط غرب أيرلندا. وقد وُصفت في الفولكلور الأيرلندي بأنها جنة مخفية. حيث تظهر من خلال الضباب الكثيف ليوم واحد فقط كل سبع سنوات. وقد تم رسمها على الخرائط منذ عام 1325 وحتى القرن التاسع عشر. كما ادعى العديد من المستكشفين أنهم رأوها أو حتى نزلوا عليها.
التفسير المحتمل
اليوم، يعتقد معظم المؤرخين أن “هاي برازيل” لم تكن موجودة على الإطلاق. وقد تكون ناتجة عن عدة عوامل:
- أخطاء ملاحية: ربما أخطأ البحارة في تحديد مواقعهم وخلطوا بينها وبين جزر حقيقية أخرى.
- ظواهر بصرية: قد تكون نتيجة لوهم بصري أو سراب فائق (Fata Morgana)، وهي ظاهرة تحدث في البحر وتجعل الأجسام البعيدة تبدو وكأنها ترتفع وتتشوه.
- أساطير متوارثة: من المحتمل أنها كانت مجرد أسطورة قوية صدقها رسامو الخرائط وقاموا بنقلها من خريطة إلى أخرى.

3. جزيرة ثولي الجنوبية (South Thule): جبل جليدي أم أرض صلبة؟
في عام 1772، اكتشف المستكشف الفرنسي إيف جوزيف دي كيرغولين مجموعة من الجزر المعزولة والمغطاة بالجليد في جنوب المحيط الهندي وأطلق عليها اسم “ثولي الجنوبية”. وقد تم تسجيلها على الخرائط كأرض جديدة. لكن، في رحلات لاحقة، لم يتمكن المستكشفون الآخرون، بمن فيهم الكابتن كوك، من العثور عليها.
التفسير المحتمل
يعتقد العلماء اليوم أن ما رآه كيرغولين لم يكن جزيرة صخرية. بل كان على الأرجح جبلًا جليديًا ضخمًا جدًا. ففي هذه المياه القطبية، يمكن أن تكون الجبال الجليدية بحجم مدن صغيرة. ومن المحتمل أن هذا الجبل الجليدي قد ذاب أو تحرك بعيدًا مع التيارات البحرية، مما جعله يختفي من موقعه الأصلي.

4. لماذا تختفي الجزر؟ أسباب علمية ومنطقية
إن ظاهرة الجزر المفقودة ليست دائمًا نتيجة لأساطير أو أوهام. فهناك أسباب علمية حقيقية يمكن أن تؤدي إلى اختفاء الجزر.
- الأخطاء البشرية في رسم الخرائط: في عصر ما قبل الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، كان تحديد المواقع يعتمد على النجوم والبوصلة، وكان عرضة لأخطاء كبيرة. فقد كان من السهل أن يخطئ بحار في حساب موقعه ويسجل جزيرة في مكان غير صحيح. وهذا يوضح أهمية علوم الخرائط وتطورها.
- الكوارث الطبيعية: يمكن للكوارث الطبيعية العنيفة أن تمحو الجزر الصغيرة من الوجود. فالانفجارات البركانية الهائلة (مثل ثوران كراكاتوا)، أو موجات التسونامي المدمرة، أو الزلازل القوية يمكن أن تؤدي إلى غمر أو تفتيت الجزر بشكل كامل.
- التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر: في عصرنا الحالي، أصبح هذا هو السبب الأكثر إثارة للقلق. فالعديد من الجزر المنخفضة في المحيط الهادئ والمحيط الهندي، مثل جزر المالديف وتوفالو، مهددة بالغرق تمامًا في العقود القادمة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن ذوبان الجليد.
وبعض هذه الجزر قد تكون من بين الجزر المحظورة التي لا يمكن زيارتها اليوم.
الخاتمة: خرائط تتغير باستمرار
في الختام، من الواضح أن قصة الجزر المفقودة هي قصة رائعة عن استكشاف الإنسان لعالمه. وهي تذكرنا بأن الخرائط ليست ثابتة، بل هي وثائق حية تتغير وتتطور مع معرفتنا. فسواء كانت نتيجة لأخطاء بشرية، أو أساطير متوارثة، أو ظواهر طبيعية قوية، فإن اختفاء هذه الجزر من الخرائط يظل لغزًا مثيرًا يدفع العلماء والمؤرخين لمواصلة البحث. وهو يؤكد على أن كوكبنا لا يزال يحمل في طياته الكثير من الأسرار التي لم نكتشفها بعد.
أبرز الاكتشافات الجيولوجية × 2020.. العثور على الجزر المفقودة فى بريطانيا قبل ألف عام





