مناطق بلا شمس بلاد لا تسطع فيها الشمس لأشهر متواصلة
مناطق بلا شمس. تخيل أن تستيقظ في الصباح، وتنظر من نافذتك لتجد الظلام الدامس يلف كل شيء. بعد ذلك، تذهب إلى عملك أو مدرستك تحت ضوء المصابيح الصناعية. وعندما يحين وقت الغداء، لا تزال السماء سوداء. في الواقع، هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل هو حقيقة يعيشها سكان بعض المناطق في أقصى شمال الكرة الأرضية. حيث تغرق هذه المناطق في ظلام شبه متواصل لأسابيع أو حتى أشهر خلال فصل الشتاء، في ظاهرة مذهلة وقاسية تُعرف باسم “الليل القطبي”.
لذلك، في هذا المقال الشامل، سنأخذك في رحلة إلى هذه الأراضي المتجمدة. حيث سنستكشف أغرب مناطق بلا شمس في العالم. أولاً، سنشرح السبب العلمي البسيط وراء هذه الظاهرة الفلكية الفريدة. بعد ذلك، سنتجول في أشهر المدن والبلدات التي تعيش هذا الواقع، من ألاسكا والنرويج إلى روسيا وكندا. علاوة على ذلك، سنكتشف كيف تمكن البشر من التكيف مع العيش في الظلام الدامس، وما هي التأثيرات النفسية والجسدية لهذه التجربة. وفي النهاية، ستدرك أن قدرة الإنسان على التكيف لا تعرف حدودًا.
ما هو الليل القطبي؟ العلم وراء الظلام الطويل
إن السبب وراء ظاهرة الليل القطبي بسيط في جوهره. فهو يتعلق بميلان محور دوران الأرض. فكما نعلم، تدور الأرض حول محور مائل بزاوية 23.5 درجة تقريبًا. ونتيجة لهذا الميلان، خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، يميل القطب الشمالي بعيدًا عن الشمس، مما يؤدي إلى مناطق بلا شمس . وهذا يعني أن المناطق الواقعة داخل الدائرة القطبية الشمالية (خط عرض 66.5 درجة شمالاً) لا تتلقى أي ضوء شمس مباشر على الإطلاق لفترة من الزمن. وكلما اقتربنا من القطب الشمالي، طالت فترة هذا الظلام. وبالطبع، يحدث العكس في الصيف، حيث تشهد نفس هذه المناطق ظاهرة “شمس منتصف الليل”، حيث لا تغرب الشمس أبدًا.
أشهر 5 مناطق بلا شمس حول العالم
تعيش العديد من المجتمعات هذا الواقع الفريد كل عام. فيما يلي بعض أبرز الأمثلة:
1. أوتكياجفيك (بارو سابقًا) – ألاسكا، الولايات المتحدة
تعتبر مدينة أوتكياجفيك (Utqiaġvik) هي أقصى مدينة في شمال الولايات المتحدة. وفي كل عام، حوالي منتصف شهر نوفمبر، يجتمع سكانها لمشاهدة غروب الشمس للمرة الأخيرة. بعد ذلك، لا تشرق الشمس مرة أخرى لمدة 65 يومًا متواصلة. وخلال هذه الفترة، تعيش المدينة بأكملها في ظلام دامس أو شفق خافت، أي أنها من الأمثلة الأبرز على مناطق بلا شمس . وعلى الرغم من الظلام والبرد القارس، تستمر الحياة. حيث يعتمد السكان الأصليون (الإينوبيات) على هذا الوقت لممارسة الصيد التقليدي والاحتفالات الثقافية.
2. لونجييربين – سفالبارد، النرويج
تقع هذه المدينة في أرخبيل سفالبارد النرويجي في منتصف الطريق بين البر الرئيسي للنرويج والقطب الشمالي. وهي واحدة من أقصى المستوطنات الشمالية المأهولة في العالم. وتشهد لونجييربين ليلًا قطبيًا يمتد من أواخر أكتوبر حتى منتصف فبراير. والأمر الفريد هنا هو أن المدينة محاطة بالبرية القطبية، والدببة القطبية تفوق عدد السكان. لذلك، من الشائع رؤية السكان المحليين يحملون البنادق للحماية عند الخروج من حدود المدينة بسبب وجودهم في مناطق بلا شمس.
وتقدم هيئة السياحة النرويجية الرسمية معلومات رائعة عن تجربة الليل القطبي في سفالبارد.
3. مورمانسك – روسيا: أكبر مدينة في الدائرة القطبية
على عكس المستوطنات الصغيرة الأخرى، تعد مورمانسك مدينة كبيرة وميناءً حيويًا يقطنه حوالي 300,000 نسمة. وهي أكبر مدينة في العالم تقع شمال الدائرة القطبية الشمالية، ضمن مناطق بلا شمس. ويستمر الليل القطبي فيها لمدة 40 يومًا تقريبًا، من بداية ديسمبر إلى منتصف يناير. ولمكافحة الكآبة الناتجة عن الظلام، تضاء المدينة بشكل مكثف بالأضواء الساطعة، وتقام المهرجانات الشتوية والأنشطة الرياضية على الجليد.
3. التكيف مع الحياة في الظلام: استراتيجيات البقاء
إن العيش في الظلام لعدة أشهر يتطلب تكيفًا نفسيًا وجسديًا كبيرًا. وقد طور سكان هذه المناطق استراتيجيات فريدة للتعامل مع هذا الواقع:
- الإضاءة القوية والعلاج بالضوء: تُستخدم إضاءة صناعية قوية جدًا في المنازل والمدارس وأماكن العمل لمحاكاة ضوء النهار. كما يستخدم الكثيرون “صناديق العلاج بالضوء” التي تصدر ضوءًا ساطعًا كامل الطيف، والتي تساعد في تنظيم الساعة البيولوجية ومكافحة الاكتئاب الموسمي.
- مكملات فيتامين D: نظرًا لغياب أشعة الشمس، لا يستطيع الجسم إنتاج فيتامين D بشكل طبيعي. لذلك، يعد تناول مكملات فيتامين D أمرًا ضروريًا للحفاظ على صحة العظام والمناعة.
- الاحتفال بالظلام: بدلاً من الخوف من الظلام، تحتفل به العديد من هذه المجتمعات. فتقام مهرجانات الشتاء، وتزداد الأنشطة الاجتماعية في الداخل، ويصبح الليل القطبي فرصة رائعة لمشاهدة “الشفق القطبي” (Aurora Borealis) المذهل. وهذا يوضح كيف يمكن للناس تحويل التحدي إلى فرصة، كما نرى في مقالنا عن بلاد ليلها طويل، التي تعتبر من المناطق التي تشهد غياب الشمس تماما وتعيش مناطق بلا شمس طوال الشتاء.
4. التأثيرات النفسية والجسدية للعيش بلا شمس
على الرغم من التكيف، يمكن أن يكون للعيش في الظلام لفترات طويلة تأثيرات حقيقية. فقد يعاني بعض الأشخاص من “الاضطراب العاطفي الموسمي” (SAD)، وهو نوع من الاكتئاب يرتبط بنقص ضوء الشمس. كما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في أنماط النوم، والشعور بالخمول والتعب ضمن هذه المناطق بلا شمس. لهذا السبب، تعتبر الصحة النفسية والعقلية أولوية قصوى في هذه المجتمعات خلال فصل الشتاء المظلم.
توجد حول العالم مناطق بلا شمس تمتد فيها ساعات الظلام لأسابيع أو حتى لأشهر متواصلة، وهو ما يُعرف بظاهرة الليل القطبي. وتنتشر هذه الظاهرة في بلاد لا تسطع فيها الشمس لأشهر وخاصةً في المناطق القريبة من القطبين، حيث تختفي أشعة النهار خلال فصل الشتاء بشكل كامل. ويؤدي ذلك إلى أن تعيش المدن التي يغيب عنها النهار ظروفًا خاصة على المستوى الصحي والنفسي، بينما تُعرف هذه الفترات باسم مناطق الظلام في فصل الشتاء، وتحتاج المجتمعات هناك إلى نمط حياة مختلف للتكيف مع غياب الضوء لفترات طويلة.
قدرة الإنسان المذهلة على التكيف
في الختام، من الواضح أن مناطق بلا شمس ليست مجرد أماكن غريبة على الخريطة. بل هي شهادة حية على قدرة الإنسان المذهلة على التكيف والصمود في وجه أقسى ظروف الطبيعة. فمن خلال الابتكار، الترابط الاجتماعي، واحتضان جمال الظلام نفسه، تمكن سكان هذه المناطق من بناء حياة مزدهرة في بيئات لا يمكن للكثيرين تخيل العيش فيها. وهي تذكرنا بأن الضوء لا يأتي دائمًا من الشمس فقط، بل يمكن أن ينبع أيضًا من دفء المجتمع وقوة الروح البشرية.
اقرأ في مقالنا عن:
- أجمل الصور عن الشفق القطبي: ظاهرة طبيعية تأسر القلوب
- تعتيم الشمس لخفض حرارة الأرض.. حل مناخي محفوف بالمخاطر والتحذيرات
- الشفق القطبي: الظاهرة الطبيعية الساحرة وأسرارها العلمية
- البقع الشمسية: ما هي وكيف تؤثر على الأرض والطقس الفضائي؟
دول لا تغيب عنها الشمس.. كيف يصوم مسلموها؟





