الجبال في القرآن والسنة

الجبال في القرآن والسنة: معجزات ثابتة ودروس خفية

تُعد الجبال في القرآن والسنة من أبرز الظواهر الطبيعية التي ورد ذكرها مرارًا، ليس فقط لجمالها وهيبتها، بل لما تحمله من دلائل على قدرة الخالق، ووظائف كونية عظيمة، ورسائل إيمانية وتربوية عميقة. ففي كل مرة يُذكر فيها الجبل في النصوص الشرعية، نجد رابطًا بين الطبيعة وبين العقيدة، بين خلق الله المادي ودروس الإيمان.

الجبال في القرآن الكريم: وتدٌ للأرض وإعجاز إلهي

وردت الجبال في القرآن الكريم في مواضع عديدة، بعضها يصف دورها الكوني، وبعضها يستعرض مشاهد مهيبة تتعلّق بالأنبياء والبعث والنشور.

يقول الله تعالى:

“وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا”
(النبأ: 7)

هذا التشبيه يُشير إلى أن الجبال تُثبّت الأرض كما يثبّت الوتد الخيمة، وهو أمر أثبته العلم الحديث في ما يعرف بجذر الجبل الممتد تحت سطح الأرض.

وفي موضع آخر، يقول الله تعالى:

“وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ”
(التكوير: 3)

في هذه الآية مشهد من مشاهد يوم القيامة، حيث يُسير الله الجبال فتُصبح كالعهن المنفوش، وهو تصوير يدل على زوال كل ما نظنه ثابتًا في الدنيا.

الجبال كرمز للقوة والهيبة

عندما يتأمل الإنسان الجبل، يشعر تلقائيًا بالقوة والضخامة والثبات، ولهذا كانت الجبال في القرآن رمزًا للقوة الإلهية، والتوازن الكوني، وأحيانًا للعقاب أو للعظمة.

وقد جاء في سورة الحشر:

“لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ”
(الحشر: 21)

هذا التصوير القرآني يوضح مدى تأثير كلام الله حتى على الجمادات، فكيف بالقلوب البشرية؟

الجبال في السنة النبوية: دروس من السيرة والمواقف

في السنة النبوية نجد إشارات عديدة للجبال، سواء في مواقف من السيرة أو في أحاديث تعليمية. من أبرز الأمثلة:

  • جبل أحد، الذي قال عنه النبي ﷺ:

“أُحُدٌ جبل يُحبنا ونُحبه”
رواه البخاري

هذا الحديث يُضفي بعدًا روحيًا وإنسانيًا على الجبل، وكأنه كائن يتفاعل مع المؤمنين، في علاقة حبّ وولاء.

  • كما قال ﷺ عند مشهد الزلزال:

“اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابًا، فإنها من آياتك، تُخوّف بها عبادك”
(رواه البخاري تعليقًا على الزلازل وتحرّك الأرض، حيث الجبال من أبرز رموز الثبات فيها)

دور الجبال في البيئة والتوازن الطبيعي

علميًا، تُعد الجبال مصدرًا أساسيًا للمياه العذبة، ومناخها يؤثر على سقوط الأمطار وتوازن درجات الحرارة. وهي موائل لكثير من الكائنات الحية، وتلعب دورًا مهمًا في تثبيت التربة والحد من الانجراف.

وقد ألمح القرآن إلى هذا الدور في قوله تعالى:

“وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا”
(فصلت: 10)

الجبال هنا تُذكر بصفتها رواسي تحفظ الأرض من الزلازل والانهيارات، وتحافظ على تماسك سطحها.

العبرة من الجبال في حياة المسلم

النظر إلى الجبال ليس فقط للتأمل الجمالي، بل للتفكّر في عظمة الخلق، واستشعار الثبات والقوة. كما أنها دعوة للتواضع، فلو كانت الجبال تتصدّع من خشية الله، فكيف بالقلوب الغافلة؟

المؤمن الذي يتأمل الجبال في القرآن والسنة يستلهم منها الثبات على الدين، والصبر على الشدائد، والعلو في الطاعة دون تكبر أو غرور.

الجبال شاهدة على أعمال العباد

قال النبي ﷺ:

“ما من مسلم يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه، إلا ردّ الله عليه روحه حتى يردّ السلام”
(رواه ابن عبد البر)

وفي تأويل بعض العلماء، أن الجبال والمواضع تحفظ آثار الناس، وتكون شاهدة عليهم يوم القيامة، تمامًا كما تحفظ الأرض أعمال العباد. وهذا يُعزز الإيمان بأن الجماد ليس صامتًا عند الله.

روابط داخلية:

مصدر خارجي موثوق:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *