قصة القهوة السعودية : أكثر من مشروب… رمز ثقافة وكرم أصيل
إذا كنت يومًا ضيفًا في بيت سعودي، فمن المستحيل أن تمر زيارتك دون فنجان القهوة. ليست مجرد عادة أو ضيافة، بل هي “لغة غير منطوقة” تعبّر عن الترحيب والاحترام والكرم. قصة القهوة السعودية ليست نوعًا واحدًا من البن، بل منظومة من الطقوس والنكهات التي تختلف من منطقة لأخرى، لكنها تشترك جميعًا في عمقها الثقافي وحضورها في المناسبات والأعياد والمجالس اليومية.
أصول القهوة… من اليمن إلى نجد والحجاز
يُعتقد أن أصل القهوة يعود إلى المرتفعات اليمنية، لكن مع توسع التجارة وطرق القوافل، انتقلت إلى الحجاز ثم إلى نجد وباقي مناطق الجزيرة.
ومع الوقت، طوّر السعوديون طريقتهم الخاصة في تحميص البن وإعداده وتقديمه، حتى أصبحت لهم بصمتهم التي تختلف عن القهوة التركية أو الإثيوبية.
طريقة التحضير: من التحميص حتى الفنجان
تحضير القهوة السعودية يبدأ من اختيار نوع البن (غالبًا من الأنواع الخضراء)، ثم:
- التحميص (المحمّاسة): يُحمّص البن يدويًا على نار هادئة حتى يصبح لونه ذهبيًا فاتحًا.
- الطحن: يُطحن البن يدويًا أو باستخدام “الهاون”، ليكون خشنًا نسبيًا.
- الطبخ: يُغلى البن مع الماء، وتُضاف له:
- الهيل (الحبّه)
- الزعفران (اختياري)
- القرنفل أو المسمار
- أحيانًا القرفة أو الزنجبيل
ثم يُسكب في الدلة، وتُصبّ القهوة في فناجين صغيرة بلا عراوي، لا تُملأ أبدًا، فامتلاء الفنجان يُعد إهانة في بعض الأعراف.
طقوس التقديم: القهوة رمز للرجولة والكرم
- يبدأ صب القهوة من جهة اليمين (الضيف الأكبر أو الأهم).
- يُقدَّم الفنجان باليد اليمنى ويُمسك باليسرى.
- إذا هزّ الضيف الفنجان بعد الشرب، فهذه إشارة بالاكتفاء.
- غالبًا تُقدَّم القهوة مع التمر، وأحيانًا المكسرات أو الحلويات.
في المجالس، يكون صباب القهوة شخصًا مخصصًا (ويُعد ذلك شرفًا)، وقد يكون شابًا صغيرًا كنوع من التدريب على العادات الأصيلة.
القهوة في المناسبات: لا عرس بلا دلة
في الأعراس، العزاء، الأعياد، وحتى الاجتماعات اليومية، يكون أول ما يُجهّز هو القهوة.
وجود الدلة والفناجين على الطاولة يُعد عنوانًا جاهزًا للضيافة.
تنوّع النكهات حسب المناطق
- نجد: قهوة خفيفة ذهبية اللون، يكثر فيها الهيل.
- الحجاز: أحيانًا تكون أغمق، وتُضاف لها القرفة والقرنفل.
- الجنوب: تُقدّم مع الزنجبيل أو الحليب أحيانًا.
- الشرقية: تختلف بين العوائل، وبعضها يميل للقهوة القريبة من الشامية.
الاعتراف العالمي بالقهوة السعودية
في 2022، أعلنت المملكة العربية السعودية “عام القهوة السعودية”، وبدأت حملة لتسجيلها في اليونسكو ضمن التراث الثقافي غير المادي.
وهذا يعكس الاعتراف بدورها الثقافي والاجتماعي العميق في المجتمع السعودي والعربي عامة.
قصة القهوة السعودية والهوية الوطنية
القهوة ليست فقط مشروبًا لذيذًا، بل هي وسيلة:
- للتواصل الاجتماعي
- للتعبير عن الكرم
- للحفاظ على العادات والتقاليد
- لتعليم الأجيال الصغرى مبادئ الضيافة واحترام الكبار