هل مصر معرضة للزلازل بعد زلزال تركيا المدمر.. هل أصبحت مصر معرضة للزلازل؟
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخرًا، تزايدت حالة من القلق والتساؤلات في منطقة الشرق الأوسط. وكان السؤال الأبرز الذي يطرحه الكثيرون في مصر هو: هل مصر معرضة للزلازل بنفس الشدة؟ فهل يمكن أن تواجه مصر مخاطر زلزالية أكبر نتيجة للتغيرات الجيولوجية الإقليمية؟ وهل هناك علاقة مباشرة بين زلازل تركيا واحتمالية وقوع زلازل مدمرة في مصر؟ في هذا المقال الشامل، نستعرض الوضع الجيولوجي لمصر، ونحلل تأثير الصفائح التكتونية، ونقدم رؤية الخبراء حول التوقعات المستقبلية للنشاط الزلزالي في المنطقة.
الخريطة التكتونية: أين تقع مصر من حزام الزلازل؟
لفهم خطر الزلازل في مصر، يجب أولاً أن نفهم موقعها على الخريطة الجيولوجية للعالم. تقع معظم الأراضي المصرية في الجزء الشمالي الشرقي من الصفيحة التكتونية الأفريقية. وتعتبر هذه الصفيحة مستقرة نسبيًا في معظم أجزائها الداخلية. لكن، تكمن المشكلة في حدود هذه الصفيحة، حيث تتفاعل مع صفائح أخرى، مما يخلق مناطق نشاط زلزالي. هذا الموقع يطرح السؤال الجوهري: هل مصر معرضة للزلازل بنفس درجة جيرانها؟
الحدود النشطة المحيطة بمصر
تتأثر مصر بثلاثة أحزمة زلزالية رئيسية تقع على حدودها أو بالقرب منها:
- صدع البحر الأحمر: يمثل هذا الصدع حدودًا تباعدية، حيث تبتعد الصفيحة الأفريقية عن الصفيحة العربية. هذا التباعد يؤدي إلى نشاط زلزالي وبراكين في قاع البحر، وتتأثر به المناطق الساحلية للبحر الأحمر في مصر.
- صدع خليج العقبة – البحر الميت: يُعد هذا الصدع جزءًا من نظام صدع تحويلي هائل يفصل بين الصفيحة الأفريقية والعربية. وهو مصدر رئيسي للزلازل التي تؤثر على منطقة سيناء والمناطق الشرقية من مصر.
- القوس الهيليني (شرق البحر المتوسط): يقع هذا الحزام الزلزالي شمال مصر، ويمتد من اليونان إلى تركيا. وهو منطقة اندساس، حيث تغوص الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوراسية. وتعتبر هذه المنطقة مصدرًا لأقوى الزلازل في حوض البحر المتوسط، والتي يمكن أن تشعر بها المدن الساحلية المصرية.

تأثير زلزال تركيا على مصر: هل نحن في خطر؟
يثير الكثيرون تساؤلًا حول ما إذا كان زلزال تركيا قد “حرّك” أو “نشّط” فوالقًا في مصر. للإجابة على هذا، يجب أن نفرق بين نوعي الفوالق.
أنظمة زلزالية مختلفة
الزلزال الأخير في تركيا وقع على “صدع شرق الأناضول”، وهو صدع جانبي (strike-slip) ناتج عن الحركة الداخلية في الصفيحة الأناضولية الصغيرة المحصورة بين الصفيحة الأوراسية والعربية. هذا النظام الجيولوجي مختلف ومنفصل بشكل كبير عن الأنظمة التي تؤثر مباشرة على مصر. لذلك، يؤكد الخبراء والجيولوجيون، ومنهم رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في مصر، أنه لا توجد علاقة سببية مباشرة بين زلزال تركيا واحتمالية وقوع زلزال وشيك في القاهرة أو أي مدينة مصرية أخرى.
مفهوم “انتقال الإجهاد”
على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة، إلا أن الزلازل الكبرى يمكن أن تغير توزيع “الإجهاد” (Stress) على القشرة الأرضية. قد يؤدي زلزال هائل في منطقة ما إلى زيادة طفيفة جدًا في الإجهاد على فوالق تبعد مئات الكيلومترات. لكن هذا التأثير يكون ضئيلاً جدًا. لذلك، فإن الإجابة العلمية تؤكد أن تأثير زلزال تركيا على مصر يبقى غير مباشر ولا ينذر بكارثة وشيكة.
تاريخ النشاط الزلزالي في مصر: دروس من الماضي
إن الإجابة على سؤال “هل مصر معرضة للزلازل؟” تكمن أيضًا في سجلها التاريخي. فمصر ليست غريبة عن النشاط الزلزالي، وقد شهدت عدة زلازل مؤثرة عبر تاريخها.
زلزال القاهرة 1992: الذاكرة الأقرب
يُعد زلزال 12 أكتوبر 1992 أقوى زلزال ضرب مصر في العصر الحديث. بلغت قوته 5.8 درجات على مقياس ريختر، وكان مركزه في منطقة دهشور جنوب غرب القاهرة. على الرغم من أن قوته تعتبر “متوسطة” بالمعايير العالمية، إلا أنه تسبب في خسائر كبيرة نظرًا لقربه من منطقة مكتظة بالسكان ومبانيها غير المجهزة لمقاومة الزلازل. لقد كان هذا الزلزال بمثابة جرس إنذار أيقظ الدولة والمجتمع على حقيقة النشاط الزلزالي في مصر.
زلازل تاريخية أخرى
تشير السجلات التاريخية إلى زلازل أقدم وأقوى. على سبيل المثال, زلزال عام 1303 الذي وقع بالقرب من جزيرة كريت في البحر المتوسط، كان مدمرًا لدرجة أنه تسبب في انهيار أجزاء كبيرة من منارة الإسكندرية القديمة. هذا السجل التاريخي يؤكد أن خطر الزلازل في مصر، خاصة على سواحلها، هو حقيقة قائمة منذ القدم.

أكثر المناطق الزلزالية في مصر عرضة للخطر
بناءً على الدراسات الجيولوجية، يمكن تصنيف المناطق الزلزالية في مصر من الأكثر نشاطًا إلى الأقل:
- شمال البحر الأحمر وخليج السويس والعقبة: هذه هي المنطقة الأكثر نشاطًا زلزاليًا في مصر بلا منازع بسبب حركة الصفائح التكتونية. تحدث فيها زلازل بشكل شبه يومي، لكن معظمها يكون ضعيفًا وغير محسوس.
- منطقة دهشور (جنوب غرب القاهرة): وهي مصدر زلزال 1992، وتعتبر منطقة نشاط زلزالي محلي مهم يجب مراقبته باستمرار.
- الساحل الشمالي (الإسكندرية ومطروح): تتأثر هذه المنطقة بالزلازل التي تحدث في شرق البحر المتوسط والقوس الهيليني. الخطر هنا يكمن في احتمالية وقوع زلازل قوية وبعيدة قد تسبب أمواج تسونامي (وإن كان هذا الاحتمال ضعيفًا).
- منطقة أسوان وبحيرة ناصر: تشهد نشاطًا زلزاليًا “مستحدثًا” (Induced Seismicity) نتيجة للضغط الهائل لمياه بحيرة ناصر على القشرة الأرضية. معظم هذه الهزات تكون ضعيفة.
مواجهة خطر الزلازل في مصر: الوقاية والاستعداد
إدراك أن مصر معرضة للزلازل بدرجة متوسطة هو الخطوة الأولى نحو التعامل مع الخطر. الخطوة التالية هي الاستعداد والوقاية.
كود البناء المقاوم للزلازل
بعد زلزال 1992، قامت مصر بتحديث “كود المباني” ليشمل اشتراطات صارمة لتصميم المباني المقاومة للزلازل. تطبيق هذا الكود بصرامة، خاصة في المدن الجديدة والمشاريع الكبرى، هو خط الدفاع الأول لتقليل الخسائر البشرية والمادية.
الشبكة القومية للزلازل
تدير مصر شبكة قومية متطورة لرصد الزلازل، تابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية. الهدف من هذه الشبكة هو تقديم إجابات دقيقة ومبنية على البيانات لسؤال هل مصر معرضة للزلازل، ومساعدة متخذي القرار.
التوعية العامة
يبقى وعي المواطنين هو أحد أهم عناصر إدارة الكوارث. من الضروري زيادة حملات التوعية التي تشرح كيفية التصرف قبل وأثناء وبعد وقوع الزلزال. فالتصرف الصحيح خلال الثواني الأولى يمكن أن ينقذ حياة الكثيرين عند حدوث أي نشاط زلزالي في مصر.

الخلاصة: هل مصر معرضة للزلازل؟
الإجابة النهائية هي: نعم، مصر معرضة للزلازل، ولكن بدرجة خطورة متوسطة، ولا يمكن مقارنتها أبدًا بمناطق عالية الخطورة مثل تركيا أو اليابان. زلازل تركيا لا تعني بالضرورة حدوث زلازل وشيكة في مصر، ولكنها تذكير قوي بأن كوكب الأرض حي ونشط.
الخطر الحقيقي في مصر لا يكمن في احتمالية وقوع زلزال بقوة 7 أو 8 درجات (فهذا مستبعد جدًا وفقًا للوضع الجيولوجي الحالي)، بل يكمن في تأثير زلزال متوسط القوة (مثل زلزال 1992) على مناطق حضرية شديدة الكثافة السكانية. لذلك، فإن مفتاح الأمان ليس الخوف، بل العلم والاستعداد. الاستمرار في البحث والرصد الزلزالي، وتطبيق معايير البناء الصارمة، وزيادة الوعي العام هي الركائز الأساسية لمواجهة أي نشاط زلزالي في مصر في المستقبل.
اقرأ في مقالنا عن: الأهرامات المصرية: أعجوبة معمارية خالدة وأسرار لم تكتشف بعد
المصادر:
British Geological Survey (BGS)





