ما هي نواة الأرض؟ رحلة إلى مركز الكوكب لفهم النواة الداخلية والخارجية
في أعماق كوكبنا، على بعد آلاف الكيلومترات تحت أقدامنا، يكمن عالم غامض وحارق من المعدن المنصهر والصلب. في الواقع، هذا هو قلب كوكبنا النابض. ولكن، ما هي نواة الأرض بالضبط؟ وكيف يمكننا أن نعرف أي شيء عن مكان لا يمكننا الوصول إليه أبدًا؟ إن نواة الأرض ليست مجرد كتلة واحدة. بل هي محرك ديناميكي معقد يتكون من جزأين، وهو المسؤول عن حماية كوكبنا وجعله صالحًا للحياة. لذلك، في هذا المقال، سننطلق في رحلة علمية إلى مركز الأرض.
كيف نعرف ما يوجد في مركز الأرض؟
لم يتمكن البشر من الحفر أعمق من 12.2 كيلومترًا في القشرة الأرضية. إذًا، كيف نعرف ما يوجد على عمق 6,000 كيلومتر؟ الإجابة تكمن في **الموجات الزلزالية**. فعندما يحدث زلزال، فإنه يرسل موجات طاقة عبر الكوكب بأكمله. يقوم العلماء بدراسة كيفية تغير سرعة واتجاه هذه الموجات. وقد لاحظوا أن بعض أنواع الموجات (الموجات الثانوية S-waves) لا يمكنها المرور عبر السوائل. ونتيجة لذلك، عندما تختفي هذه الموجات عند عمق معين، يعرف العلماء أنهم وصلوا إلى طبقة سائلة، وهي النواة الخارجية.

1. النواة الخارجية: المحيط المعدني السائل
تقع النواة الخارجية تحت طبقة الوشاح مباشرة، وهي واحدة من أكثر المناطق غموضًا وإثارة في باطن الأرض. يمكن تخيّلها كمحيط معدني ضخم، يمتد على عمق يتراوح بين 2,900 و5,100 كيلومتر تحت سطح الأرض. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع رؤيتها، إلا أن العلماء استطاعوا فهم خصائصها بفضل تحليل الموجات الزلزالية.
الحالة الفيزيائية: سائلة بالكامل
على عكس اللب الداخلي الصلب، فإن النواة الخارجية في حالة سائلة تمامًا. هذا السلوك السائل هو ما يميزها عن الطبقات الأخرى ويجعلها فريدة من نوعها. وعندما تمر الموجات الزلزالية عبر هذه الطبقة، فإنها تتباطأ أو تنحرف، مما مكّن العلماء من تأكيد طبيعتها السائلة.
التركيب الكيميائي: خليط معدني ناري
تتكون النواة الخارجية بشكل أساسي من الحديد (Fe) والنيكل (Ni) المنصهرين، وهما العنصران الأكثر وفرة في لب الأرض. لكن هناك أيضًا كميات صغيرة من عناصر أخف مثل الكبريت والأكسجين والكربون، تساعد في خفض درجة انصهار الخليط المعدني وتمنحه خصائص ديناميكية أكثر سيولة.
درجة الحرارة والضغط:
درجة الحرارة هنا هائلة، تتراوح بين 4,000 و5,000 درجة مئوية، أي قريبة من حرارة سطح الشمس. ومع ذلك، فإن الضغط في هذه الأعماق، الذي يزيد عن مليون ضعف الضغط الجوي على سطح الأرض، لا يكفي لتحويلها إلى حالة صلبة كما هو الحال في النواة الداخلية.
المحرك الديناميكي: مصدر المجال المغناطيسي للأرض
تُعد النواة الخارجية القلب الديناميكي للكوكب، فهي التي تولّد المجال المغناطيسي للأرض. كيف يحدث ذلك؟
- تدور الأرض حول محورها، ما يؤدي إلى دوران هذا المحيط المعدني السائل.
- ومع حركة الحديد السائل الموصل للكهرباء، تتكوّن تيارات كهربائية ضخمة.
- هذه التيارات تُنتج بدورها مجالًا مغناطيسيًا وفقًا لقوانين الفيزياء الكهرومغناطيسية.
هذا ما يُعرف باسم نظرية الدينامو الجيولوجي (Geodynamo Theory). والنتيجة هي درع مغناطيسي عملاق يُحيط بالأرض، يُسمى المجال المغناطيسي الأرضي (Geomagnetic Field).
درع كوكبي واقٍ
المجال المغناطيسي الناتج عن النواة الخارجية ليس مجرد ظاهرة فيزيائية جميلة، بل هو درع حيوي يحمي الكوكب من:
- الرياح الشمسية: تيارات الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس، والتي يمكن أن تُجرّد الغلاف الجوي من طبقاته على المدى الطويل.
- الإشعاعات الكونية: جُسيمات عالية الطاقة قد تؤثر على الحياة والإلكترونيات.
بدون هذا الدرع المغناطيسي، لكانت الأرض أقرب إلى المريخ في بيئتها القاسية الخالية من الحماية الجوية.
تقع النواة الخارجية تحت طبقة الوشاح، وهي عبارة عن محيط هائل من المعدن المنصهر. إليك أهم خصائصها:
- الحالة: سائلة.
- التركيب: تتكون بشكل أساسي من الحديد والنيكل المنصهرين.
- درجة الحرارة: تتراوح حرارتها بين 4,000 و 5,000 درجة مئوية.
المحرك الديناميكي: مصدر المجال المغناطيسي للأرض
إن أهم وظيفة للنواة الخارجية هي أنها تعمل كـ “دينامو” عملاق. حيث أن حركة ودوران هذا المحيط من الحديد السائل الموصل للكهرباء تولد تيارات كهربائية ضخمة. وهذه التيارات بدورها تخلق المجال المغناطيسي للأرض. وهذا المجال ليس مجرد فضول علمي، بل هو درع حيوي يحمي كوكبنا من الرياح الشمسية والإشعاعات الكونية الضارة.

2. النواة الداخلية: لغز الكرة الصلبة الحارقة
في أعمق نقطة من كوكبنا، على بُعد يزيد عن 6,300 كيلومتر من السطح، تقع النواة الداخلية للأرض — قلبها الحقيقي، وأشد مناطقها تطرفًا وغموضًا. إنها كرة معدنية صلبة يبلغ قطرها نحو 2,440 كيلومترًا، أي بحجم كوكب المريخ تقريبًا، لكنها مكوّنة بالكامل تقريبًا من الحديد والنيكل.
الحالة: صلبة تمامًا
على الرغم من درجات الحرارة الهائلة، فإن النواة الداخلية في حالة صلبة. هذا ما أثبتته دراسات الموجات الزلزالية، التي تمرّ عبرها بسرعة مختلفة عن مرورها بالنواة الخارجية السائلة. هذه الفروق في السرعة مكّنت العلماء من التمييز بين الطبقتين وفهم طبيعتهما الفيزيائية.
التركيب: سبيكة معدنية نقية
تتكوّن النواة الداخلية بشكل أساسي من سبيكة صلبة من الحديد (Fe) والنيكل (Ni)، مع وجود آثار ضئيلة لعناصر أخف مثل الكبريت والسيليكون وربما الكربون. يُعتقد أن هذه العناصر الثانوية تساعد في تحديد نقطة الانصهار وتُسهم في توازن الكثافة بين النواة الداخلية والخارجية.
درجة الحرارة: حرارة تفوق الخيال
تُقدّر درجة حرارة النواة الداخلية بنحو 6,000 درجة مئوية، أي ما يعادل تقريبًا حرارة سطح الشمس. ومع ذلك، فإن هذه الحرارة محبوسة داخل طبقات الأرض السميكة، ما يجعلها بعيدة المنال عن أي وسيلة بشرية مباشرة.
المفارقة المذهلة: لماذا هي صلبة رغم حرارتها؟
قد يبدو من غير المنطقي أن تكون النواة الداخلية صلبة بينما النواة الخارجية المحيطة بها سائلة.
لكن السرّ يكمن في الضغط الهائل. ففي مركز الأرض، يبلغ الضغط أكثر من 3.6 مليون ضعف الضغط الجوي عند السطح. هذا الضغط يسحق الذرات المعدنية ويمنعها من التحرك بحرية، مجبرًا إياها على الترصّ في بنية بلورية صلبة رغم الحرارة العالية.
إنها ظاهرة تُعرف باسم تجمّد الضغط، حيث تكون المادة في حالة صلبة فقط بسبب القوة الضاغطة الهائلة التي تتجاوز تأثير الحرارة.
الدور الديناميكي: نواة تنبض بالحركة
رغم صلابتها، لا تبقى النواة الداخلية ساكنة. تشير الدراسات الحديثة إلى أنها قد تدور بسرعة مختلفة قليلاً عن بقية الأرض، وهي ظاهرة تُعرف باسم الدوران التفاضلي. كما يُعتقد أنها تتوسع تدريجيًا مع الزمن، إذ تتجمد طبقات جديدة من النواة الخارجية السائلة فوقها ببطء، مما يساهم في استمرار عمل دينامو الأرض المغناطيسي.
✨ أهمية النواة الداخلية
- تحافظ على استقرار المجال المغناطيسي من خلال تفاعلها الحراري مع النواة الخارجية.
- تخزن جزءًا كبيرًا من حرارة الأرض الداخلية، ما يغذي العمليات الجيولوجية مثل البراكين وحركة الصفائح التكتونية.
- تقدّم سجلًا جيولوجيًا عميقًا لتاريخ الكوكب منذ تشكّله قبل 4.5 مليار عام.
المفارقة المذهلة: لماذا هي صلبة؟
قد تتساءل: إذا كانت النواة الداخلية أسخن من النواة الخارجية السائلة، فلماذا هي صلبة؟ الإجابة تكمن في الضغط الهائل. فالضغط في مركز الأرض هائل جدًا (أكثر من 3.6 مليون مرة من الضغط الجوي على السطح)، لدرجة أنه يمنع ذرات الحديد والنيكل من التحرك بحرية كافية لتكون في حالة سائلة، ويجبرها على التراص في شكل بلوري صلب.
جدول ملخص لأهم الحقائق حول نواة الأرض
| المحور | الشرح | الحقيقة الرئيسية |
|---|---|---|
| تعريف النواة | يجيب سؤال ما هي نواة الأرض بأنها المركز المعدني الحارق لكوكبنا. | مقسومة إلى جزأين: سائل وصلب. |
| التركيب | لمن يسأل مما يتكون لب الأرض، فالجواب هو الحديد والنيكل بشكل أساسي. | تشكل مكونات نواة الأرض الداخلية والخارجية. |
| الحرارة | يجيب سؤال كم تبلغ درجة حرارة مركز الأرض بأنها تصل إلى 6000 درجة مئوية. | أسخن من سطح الشمس. |
| الوظيفة | يوضح كيف يتكون المجال المغناطيسي للارض من حركة الحديد السائل في النواة الخارجية. | يحمي الحياة من الرياح الشمسية. |
لماذا يعتبر تركيب نواة الأرض مهمًا جدًا للحياة؟
إن الإجابة على سؤال ما هي نواة الأرض تكشف عن أنها تلعب دورين حيويين على الأقل لوجودنا:
- الدرع المغناطيسي الواقي: كما ذكرنا، لولا النواة الخارجية السائلة، لما كان هناك مجال مغناطيسي. وبدون هذا المجال، لكانت الرياح الشمسية قد جردت الأرض من غلافها الجوي ومياهها منذ زمن بعيد، ليصبح كوكبنا قاحلاً مثل المريخ.
- المحرك الحراري للكوكب: تعمل النواة كفرن هائل يسخن طبقة الوشاح من الأسفل. هذه الحرارة هي التي تقود التيارات الحرارية البطيئة في الوشاح، والتي بدورها تحرك الصفائح التكتونية على السطح. هذه الحركة ضرورية لتجديد القشرة الأرضية ودورة الكربون التي تنظم مناخنا.
جدول مقارنة: النواة الداخلية مقابل النواة الخارجية
| الخاصية | النواة الخارجية | النواة الداخلية |
|---|---|---|
| الحالة الفيزيائية | سائلة | صلبة (بسبب الضغط الهائل) |
| التركيب الرئيسي | حديد ونيكل منصهر | سبيكة حديد ونيكل صلبة |
| السُّمك التقريبي | 2,200 كيلومتر | 1,220 كيلومتر (نصف القطر) |
| الوظيفة الرئيسية | توليد المجال المغناطيسي للأرض | مصدر حرارة هائل يساهم في استقرار المجال المغناطيسي |
قلب كوكبنا النابض
في الختام، إن نواة الأرض ليست مجرد مركز ثقيل لكوكبنا. بل هي محرك ديناميكي معقد ومكون من جزأين، يعمل بلا كلل لحماية الحياة على السطح وتشكيل جيولوجيا الكوكب. فمن درعها المغناطيسي الذي يحمينا من الفضاء، إلى حرارتها التي تحرك القارات، يذكرنا لب الأرض بأن كوكبنا حي ونابض بالحياة من الداخل إلى الخارج.





