خسارة الأشخاص الذين نحبهم هي واحدة من أصعب التجارب التي يمر بها البشر، وأصبح التعامل معها أكثر تعقيداً في العصر الرقمي. فاليوم أصبح الناس يحتفظون بذكرياتهم من خلال تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي مثل دردشات “واتساب” وصور “إنستغرام” وميزة الذكريات على “فايسبوك”.
وفي هذا السياق، وفي عام 2016، اكتشف جيمس فلاهوس أن والده يموت من مرض سرطان الرئة. وبعد أن أدرك فلاهوس أن وقتهما معاً ينفد، هرع لجمع الذكريات وتسجيل قصة حياة والده، من ذكريات الطفولة إلى أقواله وأغانيه ونكاته المفضلة.
ملأت هذه التسجيلات 200 صفحة، لكن فلاهوس لم يكتفِ بها وأرادها تفاعلية، لذلك قام ببرمجة روبوت دردشة نسخة من والده “Dadbot”.
وتمكن الـ”Dadbot” بالفعل من إحياء قصص والده عبر الرسائل النصية والصوت والصور والفيديو، مما خلق تجربة تفاعلية تحاكي ما كان فلاهوس يريده، وفقاً لما أفاد موقع “euronews”.
وفي حين أن هذه النسخة الاصطناعية لا يمكن أن تحل محل والد فلاهوس الحقيقي، إلا أنها منحته بعض الراحة. فبالنسبة للبعض، إن القدرة على زيارة الأرشيف عبر الإنترنت المتعلق بأولئك الذين فقدوهم هو أمر مريح للغاية.
أما حدث مع فلاهوس فقد ألهمه لإطلاق “HereAfter” للذكاء الاصطناعي، وهي شركة مقرها الولايات المتحدة، تسمح للأشخاص بتحميل ذكرياتهم والتي يتم تحويلها بعد ذلك إلى “life story avatar”، أي شخصية رمزية أو صورة رمزية يمكن التواصل معها من قبل الأصدقاء والعائلة.
وفي إطار إحياء الذكريات مع الراحلين، كان هناك تقنية أكثر تقدماً في محاولة لإعادة تنشيط المتوفي، مثل الكاتب جوشوا باربو، الذي درب روبوت محادثة يسمى “Project December” لانتحال شخصية خطيبته الميتة، جيسيكا.
أما نموذج “HereAfter” فيعتمد فقط على موافقة المستخدمين، الذين يجب عليهم الاشتراك لإجراء مقابلة، كما يمكنهم اختيار من يشاركون معهم “life story avatar” الخاصة بهم.
وقال فلاهوس “نحن نشارك الكثير عن أنفسنا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن غالباً ما تكون هذه الأمور محددة للغاية، ليس كما كنت ستجلس فيها مع كاتب سيرتك الذاتية الشخصية لتشارك ما جعلك الشخص الذي أنت عليه”.
وتابع “بالنسبة لتطبيقنا الخاص، نريد حقاً أن يكون دقيقاً وصادقاً”.
وحتى الآن فإن ردود الفعل حول التطبيق كانت إيجابية، حيث تأثر المستخدمون بشكل كبير بالاستماع إلى أصوات أحبائهم مرة أخرى، حتى أن البعض اكتشف قصصاً من والديهم لم يسمعوها من قبل.
وفي شكلها الحالي، تعتمد تقنية “HereAfter” على استرجاع الأشياء التي سجلها الأشخاص قبل وفاتهم، ولكن في المستقبل، تأمل في استخدام نموذج لغة قوي مثل “شات جي بي تي” لتعزيز قدراتها على المحادثة، مع التأكيد أنها ستبقى مقيدة بالمعلومات التي قُدمت لها.
ويتساءل فلاهوس أيضاً عما إذا كانت المخاوف حول هذا النوع من التكنولوجيا مبررة تماماً، مضيفاً “لا أعتقد أنه عليك أن تنسى شخصاً ما أو تدع ذكرياتك معه تتلاشى أو أن تكون مملة للغاية”.
ويشير إلى أن هذه التقنية “يمكن أن تكون ذا قيمة عندما لا يزال الناس على قيد الحياة، وليس عليك أن تكون ميتاً حتى يكون لصورتك الرمزية هدفاً ما”.