رحلة سياحية في الفضاء: كيف تبدو التجربة وكم تكلفتها الباهظة؟
رحلة سياحية في الفضاء, فقط ان كنت ثريآ
لطالما كان حلم السفر بين النجوم، ورؤية كوكبنا الأزرق ككرة سماوية تسبح في الظلام، مادة للخيال العلمي ورغبة دفينة في قلوب الملايين. لعقود طويلة، كانت هذه التجربة حكرًا على رواد الفضاء المدربين تدريبًا عاليًا والمختارين بعناية من قبل الوكالات الحكومية. لكن قواعد اللعبة بدأت تتغير. اليوم، وفي عام 2025، لم تعد الفكرة مجرد خيال؛ فقد تحولت إلى حقيقة، وأصبحت هناك إمكانية حقيقية لحجز مقعد في رحلة سياحية في الفضاء. لكن هناك شرط واحد، وهو الشرط الذي يعكسه عنوان هذا المقال بوضوح: يجب أن تكون ثريًا، بل ثريًا جدًا.
لقد فتحت شركات خاصة جريئة الباب أمام عصر “السياحة الفضائية”، محولةً ما كان يومًا إنجازًا وطنيًا إلى تجربة تجارية فاخرة. بالتالي، أصبح بإمكان الأفراد الأثرياء شراء تذكرة لا تأخذهم إلى مدينة أخرى، بل إلى حافة الفضاء الخارجي. هذا المقال هو دليلك الشامل لاستكشاف هذا العالم الجديد والمثير. سنغوص في تفاصيل الشركات التي تقود هذا السباق، ونصف التجربة المذهلة التي يعيشها السائح الفضائي، وبالطبع، سنتحدث بالأرقام عن التكلفة الباهظة التي تجعل من هذه الرحلة الحلم الأكثر حصرية في العالم.
اللاعبون الكبار في سباق السياحة الفضائية
إن إرسال البشر إلى الفضاء مهمة معقدة وخطيرة ومكلفة للغاية، ولا تزال محصورة في عدد قليل جدًا من الشركات الخاصة التي أسسها أصحاب المليارات. كل شركة تقدم نهجًا وتجربة مختلفة قليلاً، لكن الهدف واحد: منح العملاء بضع دقائق لا تُنسى في انعدام الجاذبية.
بلو أوريجين (Blue Origin): تجربة الكبسولة الفاخرة
أسسها جيف بيزوس، مؤسس أمازون. تعتمد شركة بلو أوريجين على صاروخها القابل لإعادة الاستخدام “نيو شيبرد” (New Shepard). يتم إطلاق كبسولة مؤتمتة بالكامل تحمل ما يصل إلى ستة ركاب عموديًا إلى الفضاء. تتميز الكبسولة بأكبر نوافذ تم استخدامها في الفضاء على الإطلاق، مما يمنح الركاب إطلالات بانورامية خلابة. تصل الرحلة إلى ما بعد “خط كارمان” ( ارتفاع 100 كيلومتر)، وهو الحد المعترف به دوليًا كبداية للفضاء الخارجي. بعد بضع دقائق من الطفو في انعدام الجاذبية، تعود الكبسولة إلى الأرض لتهبط بهدوء باستخدام المظلات. التجربة بأكملها سريعة (حوالي 11 دقيقة) وفاخرة، وتستهدف العملاء الذين يبحثون عن تجربة مريحة ومباشرة.
فيرجن غالاكتيك (Virgin Galactic): الطائرة الفضائية الأنيقة
أسسها السير ريتشارد برانسون. تتبع فيرجن غالاكتيك نهجًا مختلفًا ومميزًا. بدلاً من الإطلاق العمودي للصاروخ، تستخدم طائرة حاملة ضخمة تُدعى “VMS Eve” تحمل على متنها طائرة فضائية أصغر تُدعى “VSS Unity”. تقلع الطائرة الحاملة من مدرج تقليدي، وعندما تصل إلى ارتفاع حوالي 50,000 قدم، تُطلق الطائرة الفضائية. في تلك اللحظة، يشتعل محرك الصاروخ في الطائرة الفضائية ويدفعها بسرعة تفوق سرعة الصوت إلى حافة الفضاء. تركز فيرجن غالاكتيك بشكل كبير على التجربة الشاملة للعميل، بما في ذلك التدريبات التي تستمر لعدة أيام في “ميناء الفضاء أمريكا” (Spaceport America) في نيو مكسيكو، مما يخلق شعورًا بالانتماء لمجتمع رواد الفضاء الجدد.
سبيس إكس (SpaceX): طموحات تتجاوز المدار الأرضي
بينما تركز بلو أوريجين وفيرجن غالاكتيك على الرحلات شبه المدارية القصيرة (Suborbital)، فإن شركة سبيس إكس التي أسسها إيلون ماسك تلعب في ساحة مختلفة تمامًا. سبيس إكس تقدم رحلات مدارية (Orbital) حقيقية، حيث تدور الكبسولة حول الأرض لعدة أيام. هذه الرحلات أكثر تعقيدًا وخطرًا وتكلفة بمراحل. رأينا ذلك في مهمة “Inspiration4” عام 2021، وهي أول مهمة فضائية مدارية تتكون بالكامل من سياح مدنيين. إن حجز رحلة سياحية في الفضاء مع سبيس إكس لا يقتصر على بضع دقائق من انعدام الجاذبية، بل هو تجربة كاملة كأنك رائد فضاء حقيقي، وتكلفتها تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات.
ماذا يحدث بالضبط في رحلة سياحية إلى الفضاء؟
بعيدًا عن الأسماء اللامعة والتكنولوجيا المعقدة، ما هي التجربة الفعلية التي يعيشها السائح الفضائي؟ إنها رحلة حسية ونفسية يمكن تقسيمها إلى عدة مراحل مثيرة.
مرحلة ما قبل الإطلاق: التدريب والتجهيز
لا يمكنك ببساطة شراء تذكرة والصعود على متن الصاروخ. يخضع الركاب لبرنامج تدريبي يستمر لعدة أيام. يتضمن هذا التدريب محاكاة لقوة الجاذبية (G-force)، وإجراءات السلامة، وكيفية التحرك في بيئة منعدمة الجاذبية، بالإضافة إلى ارتداء البدلات الفضائية المخصصة. الهدف هو إعداد الركاب جسديًا ونفسيًا للتجربة الفريدة التي هم على وشك خوضها.
ذروة التجربة: انعدام الجاذبية و “تأثير المنظر الشامل”
بعد الإطلاق المثير، وعندما ينطفئ المحرك الرئيسي، يحدث السحر. يبدأ الركاب في الطفو بحرية داخل المقصورة. هذه الدقائق القليلة من انعدام الجاذبية هي جوهر الرحلة. لكن الجزء الأكثر تأثيرًا في النفس هو النظر من النافذة. رؤية منحنى الأرض، الغلاف الجوي الأزرق الرقيق الذي يحمي كل أشكال الحياة، والسواد المخملي للفضاء، هي تجربة تُعرف باسم “تأثير المنظر الشامل” (The Overview Effect). وقد وصف العديد من رواد الفضاء كيف غيرت هذه الرؤية نظرتهم للحياة والكوكب إلى الأبد. يمكنك القراءة المزيد عن هذه الظاهرة النفسية القوية على مواقع متخصصة مثل Space.com.
العودة إلى الأرض: الهبوط والاحتفال
بعد انتهاء وقت الطفو، يعود الركاب إلى مقاعدهم استعدادًا للعودة. تتم عملية الهبوط، سواء بالكبسولة والمظلات أو بالطائرة الفضائية التي تهبط على مدرج، ويتبعها احتفال حيث يتم منح الركاب “أجنحة رواد الفضاء” الخاصة بهم، كرمز لإنجازهم الفريد. إنها نهاية مثيرة لرحلة استثنائية.
التكلفة الباهظة: تفاصيل أسعار تذاكر الفضاء
وهنا نصل إلى الجزء الذي يجعل هذه التجربة حصرية للغاية. تكلفة رحلة سياحية في الفضاء ليست مجرد رقم كبير، بل هي رقم فلكي يضعها خارج متناول الجميع تقريبًا باستثناء أغنى أغنياء العالم.
- أسعار الرحلات شبه المدارية: أعلنت شركة فيرجن غالاكتيك أن سعر تذكرتها يبدأ من 450,000 دولار أمريكي للمقعد الواحد. أما بلو أوريجين، فلم تعلن عن أسعارها بشكل رسمي، لكن يُعتقد أنها في نفس النطاق السعري أو أعلى، حيث تم بيع أول مقعد في مزاد علني مقابل 28 مليون دولار.
- أسعار الرحلات المدارية: هنا، تقفز الأسعار إلى مستوى آخر تمامًا. تكلفة المقعد الواحد في مهمة مدارية مع سبيس إكس تُقدر بـ 50 إلى 60 مليون دولار. هذا السعر يعكس التعقيد الهائل والموارد المطلوبة للبقاء في المدار لعدة أيام.
هذه الأسعار تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الصناعة ستصبح يومًا ما متاحة للجميع. ربما تكون المقارنة مع تاريخ الطيران مناسبة هنا؛ فقد كانت الرحلات الجوية في بداياتها باهظة الثمن ومخصصة للنخبة فقط. ومع مرور الوقت وتطور التكنولوجيا، أصبحت متاحة للجميع. يأمل الكثيرون أن يحدث نفس الشيء مع السياحة الفضائية، ولكن هذا الطريق لا يزال طويلاً جدًا.
بداية فصل جديد في علاقة الإنسان بالفضاء
في النهاية، تمثل كل رحلة سياحية في الفضاء، بغض النظر عن تكلفتها، خطوة تاريخية. إنها تثبت أن السفر إلى الفضاء لم يعد حكرًا على الدول والحكومات. صحيح أنها اليوم ملعب للأثرياء، لكنها أيضًا مختبر لتطوير تقنيات جديدة ستجعل الفضاء أكثر سهولة في الوصول إليه في المستقبل. إنها بداية فصل جديد ومثير في استكشاف الإنسان لآخر الحدود، وتحويل الحلم القديم بالصعود إلى النجوم إلى حقيقة ملموسة، ولو لشخص واحد في كل مرة. وهذا بدوره قد يلهمنا أكثر في سعينا للبحث عن إجابات لأسئلة أكبر، مثل تلك التي تناولناها في مقالنا عن كائنات في العوالم الأخرى.
اقرأ في مقالنا عن: تحلل السفينة تايتانك: صور جديدة تكشف كيف يلتهم المحيط الحطام الأسطوري
سياحة الأثرياء.. كم يكلفك السفر إلى الفضاء؟





