الطائرات الكهربائية : هل هي مستقبل السفر الجوي الصديق للبيئة؟
الطائرات الكهربائية. تخيل أن تحلق في السماء بصمت شبه تام، دون أن تترك وراءك أي أثر من الانبعاثات الكربونية. في الواقع، هذا ليس مشهدًا من المستقبل البعيد. بل هو الحلم الذي يعمل عليه كبار مهندسي الطيران والعلماء اليوم. فمع تزايد الضغوط العالمية لمواجهة تغير المناخ، يبحث قطاع الطيران، الذي يعد أحد المصادر الرئيسية للانبعاثات، عن حلول جذرية وصديقة للبيئة. ومن بين جميع الابتكارات الواعدة، تبرز فكرة الطائرات الكهربائية كأمل كبير لإحداث ثورة في عالم السفر الجوي.
لكن، هل يمكن أن تصبح هذه الطائرات البديل المستدام للطائرات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري؟ وما هي التحديات الهندسية الهائلة التي تقف في طريق تحليقها على نطاق واسع؟ لذلك، في هذا المقال الشامل، سنستكشف عالم الطيران الكهربائي المثير. أولاً، سنتعرف على كيفية عمل هذه الطائرات وأنواعها المختلفة. بعد ذلك، سنستعرض مزاياها البيئية والاقتصادية. علاوة على ذلك، سنناقش بصراحة التحديات الكبرى التي تواجهها، خاصة فيما يتعلق بالبطاريات. وأخيرًا، سنلقي نظرة على أبرز المشاريع الرائدة التي تقود هذه الثورة التكنولوجية.
كيف تعمل الطائرات الكهربائية؟ فهم التكنولوجيا الجديدة
ببساطة، تعتمد الطائرات الكهربائية على محركات كهربائية بدلاً من محركات الاحتراق الداخلي التقليدية. وهي تشبه إلى حد كبير السيارات الكهربائية، ولكن مع تحديات أكبر بكثير تتعلق بالوزن والقوة والمدى. وتوجد حاليًا ثلاثة مسارات رئيسية لتطوير الطيران الكهربائي:
1. الطائرات الكهربائية بالكامل (All-Electric)
تعتمد هذه الطائرات بشكل كامل على الطاقة المخزنة في بطاريات ليثيوم أيون متقدمة لتشغيل محركاتها الكهربائية. وهي الحل الأكثر صداقة للبيئة، حيث أنها لا تنتج أي انبعاثات على الإطلاق أثناء الطيران. لكنها تواجه التحدي الأكبر المتمثل في كثافة الطاقة المنخفضة للبطاريات مقارنة بوقود الطائرات. لذلك، فإن هذا النوع مناسب حاليًا للرحلات القصيرة جدًا والطائرات الصغيرة.
2. الطائرات الهجينة (Hybrid-Electric)
تعمل هذه الطائرات بنظام دفع يجمع بين محرك كهربائي ومحرك وقود تقليدي. وهذا يشبه السيارات الهجينة. حيث يمكن استخدام محرك الوقود لتوليد الكهرباء لشحن البطاريات أثناء الطيران، أو لتوفير قوة دفع إضافية أثناء الإقلاع. وهذا النهج يعتبر حلاً انتقاليًا عمليًا، لأنه يقلل من الانبعاثات بشكل كبير مع الحفاظ على مدى طيران أطول.
3. الطائرات الهيدروجينية (Hydrogen-Powered)
يمثل الهيدروجين الأمل الأكبر للرحلات الطويلة عديمة الانبعاثات. ويمكن استخدامه بطريقتين: إما عن طريق حرقه في محركات نفاثة معدلة (مما ينتج بخار الماء فقط)، أو عن طريق استخدامه في “خلايا وقود الهيدروجين” لتوليد الكهرباء التي تشغل المحركات الكهربائية. والتحدي الرئيسي هنا يكمن في تخزين الهيدروجين السائل في درجات حرارة شديدة البرودة (-253 درجة مئوية).

مزايا الطائرات الكهربائية: لماذا كل هذا الاهتمام؟
إن الدافع وراء هذه الثورة التكنولوجية ليس مجرد فضول هندسي، بل هو استجابة لفوائد حقيقية وملموسة.
- تقليل الانبعاثات الكربونية: هذه هي الميزة الأكبر. فالطيران التقليدي مسؤول عن حوالي 2.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. والطائرات الكهربائية بالكامل والهيدروجينية تعد بالقضاء على هذه الانبعاثات تمامًا أثناء الطيران، مما يساهم بشكل كبير في مكافحة تغير المناخ.
- انخفاض تكاليف التشغيل والصيانة: تعتبر الكهرباء أرخص بكثير من وقود الطائرات. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المحركات الكهربائية على أجزاء متحركة أقل بكثير من المحركات النفاثة، مما يعني أنها تتطلب صيانة أقل وتتمتع بعمر أطول.
- مستوى ضوضاء أقل بشكل كبير: إن المحركات الكهربائية أكثر هدوءًا بشكل كبير من محركات الاحتراق. وقد يؤدي ذلك إلى تقليل التلوث الضوضائي بشكل كبير حول المطارات، مما يسمح بتشغيل المزيد من الرحلات في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من الليل.
التحديات الكبرى التي تواجه الطيران الكهربائي
على الرغم من هذه الفوائد الواعدة، لا يزال الطريق طويلاً ومليئًا بالعقبات الهندسية الهائلة.
1. كثافة طاقة البطاريات
هذا هو التحدي الأكبر على الإطلاق. فوقود الطائرات يحتوي على طاقة أكبر بحوالي 40 مرة من أفضل بطاريات الليثيوم أيون المتاحة اليوم لنفس الوزن. وبعبارة أخرى، ستحتاج إلى بطاريات ثقيلة جدًا لتوفير نفس مدى الطيران، وهذا الوزن الزائد يقلل من قدرة الطائرة على حمل الركاب والبضائع. لذلك، فإن تحقيق طفرة في تكنولوجيا البطاريات هو المفتاح لنجاح الطيران الكهربائي.
2. وقت الشحن الطويل
تحتاج الطائرات التجارية إلى دورات تشغيل سريعة لتكون مربحة. فطائرة بوينج 737 يمكن إعادة تزويدها بالوقود في أقل من 30 دقيقة. في المقابل، قد يستغرق شحن بطاريات طائرة كهربائية بنفس الحجم عدة ساعات حتى مع أفضل تقنيات الشحن السريع. وهذا يؤثر بشكل كبير على كفاءة العمليات الجوية.
3. السلامة والاعتمادية
تخضع صناعة الطيران لأعلى معايير السلامة في العالم. ويجب أن تكون البطاريات وأنظمة الدفع الكهربائية قادرة على العمل بشكل موثوق في الظروف القاسية، من الاهتزازات الشديدة إلى درجات الحرارة المتجمدة على ارتفاعات عالية. كما أن خطر اشتعال بطاريات الليثيوم أيون يمثل تحديًا هندسيًا كبيرًا يجب التغلب عليه.

أبرز المشاريع والشركات الرائدة في الطيران الكهربائي
على الرغم من التحديات، تعمل كبرى الشركات العالمية والشركات الناشئة المبتكرة بجد لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة.
- إيرباص (Airbus): تعمل شركة إيرباص على مشروع طموح يسمى “ZEROe”. ويهدف هذا المشروع إلى تطوير أول طائرة تجارية في العالم عديمة الانبعاثات بحلول عام 2035، مع التركيز بشكل كبير على تكنولوجيا الهيدروجين..
- إيفييشن (Eviation): تعتبر هذه الشركة الناشئة واحدة من الشركات الرائدة في مجال الطائرات الكهربائية بالكامل. حيث نجحت طائرتها “أليس” (Alice)، وهي طائرة ركاب تتسع لتسعة ركاب، في إكمال رحلتها الأولى بنجاح في عام 2022.
- رولز رويس (Rolls-Royce): ليست فقط شركة سيارات فاخرة، بل هي أيضًا واحدة من أكبر مصنعي محركات الطائرات في العالم. وقد طورت طائرة كهربائية بالكامل تسمى “روح الابتكار” (Spirit of Innovation)، والتي سجلت رقمًا قياسيًا كأسرع طائرة كهربائية في العالم.
إن هذه الابتكارات في الطيران تذكرنا بالتطور السريع في استخدام الدرونز في التصوير السياحي، وكيف تغير التكنولوجيا رؤيتنا للعالم. وبالمثل، قد يتغير مستقبل السفر الجوي بشكل كبير.
هل يمكن أن تكون الطائرات الكهربائية مستقبل السفر الجوي؟
الإجابة هي نعم، ولكن على مراحل. فمن غير المرجح أن نرى طائرات ركاب كهربائية عملاقة طويلة المدى في أي وقت قريب. لكن، من المؤكد أن الطائرات الكهربائية ستلعب دورًا مهمًا ومتزايدًا في مستقبل الطيران. حيث من المتوقع أن تبدأ في الظهور أولاً في قطاع سيارات الأجرة الجوية الحضرية (eVTOLs) والرحلات الإقليمية القصيرة. ومع استمرار التقدم في تكنولوجيا البطاريات والهيدروجين، قد نشهد رحلات جوية كهربائية بالكامل لمسافات متوسطة في العقود القادمة، مما يعيد تعريف مفهوم الطيران المستدام ويجعل السماء أكثر هدوءًا ونظافة.
ما هي التحديات التي تواجه تصنيع الطائرات الكهربائية؟





