أمراض عائدة ، الأمراض التي اختفت وعادت بقوة في العصر الحديث
أمراض عائدة. في عصر الطب الحديث واللقاحات المتقدمة، كنا نعتقد أن البشرية قد انتصرت على العديد من الأوبئة القاتلة التي أرعبت أجدادنا. في الواقع، نجحنا في القضاء على أمراض مثل الجدري، وكنا على وشك إعلان النصر على أمراض أخرى مثل شلل الأطفال والحصبة. لكن، بشكل غير متوقع ومقلق، بدأت بعض هذه “الأشباح القديمة” في الظهور مجددًا في أجزاء مختلفة من العالم. فهذه الأمراض العائدة لا تمثل مجرد مشكلة صحية، بل هي جرس إنذار يذكرنا بأن معركتنا مع الميكروبات لم تنته بعد.
لذلك، في هذا المقال الشامل، سنتعمق في هذه الظاهرة المقلقة. أولاً، سنستعرض أبرز الأمراض التي عادت لتشكل تهديدًا للصحة العامة. بعد ذلك، سنحلل الأسباب المعقدة التي أدت إلى عودتها، من التردد في أخذ اللقاحات إلى ظهور سلالات مقاومة للأدوية. علاوة على ذلك، سنناقش كيف يمكننا كأفراد ومجتمعات مواجهة هذا التهديد. وفي النهاية، ستدرك أن اليقظة الصحية والالتزام بالعلم هما خط دفاعنا الأول ضد هذه الأعداء القدامى.
1. الحصبة (Measles): عودة شبح يمكن الوقاية منه
تعتبر الحصبة واحدة من أكثر القصص المحزنة لظاهرة الأمراض العائدة. فهذا المرض الفيروسي شديد العدوى كان في طريقه إلى الانقراض في العديد من الدول بفضل لقاح MMR الفعال. لكن، في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا كبيرًا ومقلقًا في حالات الإصابة بالحصبة.
لماذا عادت الحصبة؟
إن السبب الرئيسي والمباشر هو التراجع في معدلات التطعيم. فقد أدت حملات التضليل والمعلومات الخاطئة التي ربطت بشكل كاذب بين اللقاح والتوحد إلى “التردد في أخذ اللقاحات”. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة التغطية باللقاح في بعض المجتمعات إلى ما دون 95%، وهي النسبة المطلوبة لتحقيق “مناعة القطيع” التي تحمي الجميع، بمن فيهم الرضع الصغار ومن يعانون من ضعف المناعة. وتشير منظمات عالمية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن هذا التراجع هو السبب الرئيسي لتفشي المرض مجددًا.

2. السل (Tuberculosis): عودة العدو الصامت والمقاوم
كان السل، أو “الموت الأبيض”، أحد أكثر الأمراض فتكًا في التاريخ. وعلى الرغم من أن المضادات الحيوية التي تم اكتشافها في منتصف القرن العشرين جعلت علاجه ممكنًا، إلا أن هذا المرض لم يختفِ أبدًا. والأسوأ من ذلك، أنه يعود الآن بشكل أكثر شراسة.
تحدي السلالات المقاومة للأدوية
إن الخطر الأكبر اليوم هو ظهور سلالات من بكتيريا السل المقاومة للأدوية المتعددة (MDR-TB) والشديدة المقاومة للأدوية (XDR-TB). وقد تطورت هذه السلالات بسبب عدم إكمال المرضى لدورات العلاج الطويلة والصعبة، أو بسبب استخدام أدوية ذات جودة رديئة. وهذا يجعل علاج هذه السلالات صعبًا للغاية، ومكلفًا، وغالبًا ما يكون غير ناجح، مما يعيدنا إلى حقبة ما قبل المضادات الحيوية.
3. شلل الأطفال (Polio): على بعد خطوة من النصر، ولكن الخطر باقٍ
تُعد الحملة العالمية للقضاء على شلل الأطفال واحدة من أنجح قصص الصحة العامة في التاريخ. فقد تم القضاء على هذا المرض الفيروسي المسبب للشلل من معظم دول العالم بفضل جهود التطعيم الهائلة. لكن، المعركة لم تنته بعد.
جيوب المرض المتبقية
لا يزال الفيروس البري لشلل الأطفال متوطنًا في بلدين فقط في العالم: أفغانستان وباكستان. حيث تواجه حملات التطعيم في هذه المناطق تحديات هائلة، بما في ذلك الصراعات، وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية، ومقاومة بعض المجتمعات المحلية. والخطر يكمن في أنه طالما بقي الفيروس موجودًا في أي مكان، فإنه يمكن أن ينتشر مرة أخرى ويعود إلى البلدان التي أُعلنت خالية منه.

4. الدفتيريا (Diphtheria): مرض كان في طي النسيان
الدفتيريا هي عدوى بكتيرية خطيرة تهاجم الأغشية المخاطية للحلق والأنف. وقد كانت سببًا رئيسيًا لوفيات الأطفال قبل تطوير اللقاحات. وبفضل التطعيم الروتيني، أصبح هذا المرض نادرًا جدًا في معظم أنحاء العالم. ولكن، مثل الحصبة، بدأت حالات الدفتيريا في الظهور مجددًا في بعض المناطق التي شهدت انخفاضًا في معدلات التطعيم بسبب الأزمات الإنسانية أو حملات التضليل، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة.
لماذا تعود هذه الأمراض؟ تحليل الأسباب الجذرية
إن عودة هذه الأمراض ليست صدفة. بل هي نتيجة لمجموعة معقدة من العوامل المترابطة:
- التردد في أخذ اللقاحات: كما ذكرنا، يعد هذا هو السبب الرئيسي لعودة أمراض يمكن الوقاية منها مثل الحصبة والدفتيريا. فالمعلومات المضللة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تآكل الثقة في اللقاحات.
- مقاومة مضادات الميكروبات: إن الإفراط في استخدام وسوء استخدام المضادات الحيوية في الطب البشري والزراعة أدى إلى تطور “بكتيريا خارقة” مقاومة للعلاجات المتاحة. وهذا يمثل أحد أكبر التهديدات الصحية العالمية.
- العولمة والسفر: في عالمنا المترابط، يمكن لمرض يظهر في بلد ما أن ينتقل إلى الجانب الآخر من العالم في غضون 24 ساعة فقط.
- الأزمات الإنسانية والحروب: تؤدي الحروب والنزوح إلى انهيار الأنظمة الصحية، مما يوقف حملات التطعيم ويخلق بيئة مثالية لانتشار الأوبئة.
إن هذه الأمراض تذكرنا بأهمية فهم الأمراض المزمنة والأمراض المعدية على حد سواء.
وتقدم منظمات مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تحديثات مستمرة حول تفشي هذه الأمراض العائدة.
اليقظة هي خط دفاعنا الأول
في الختام، على الرغم من التقدم الطبي المذهل الذي حققناه، إلا أن عودة هذه الأمراض القديمة تذكرنا بأننا لا نعيش في عالم خالٍ من الأوبئة. فهي تؤكد على أن الصحة العامة هي مسؤولية جماعية. فالالتزام بالتطعيمات، الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية، دعم أنظمة الصحة العامة القوية، ومكافحة المعلومات المضللة هي أفضل أسلحتنا. لذلك، يجب أن نبقى في حالة يقظة دائمة، وأن نثق في العلم، لنضمن ألا يعود الماضي ليطارد مستقبل أطفالنا.
4 أمراض قديمة عادت مجددًا





