بداية الأسبوع عند المسلمين والمسيحيين: لماذا يختلف أول يوم في الأسبوع؟
بداية الأسبوع عند المسلمين والمسيحيين. هل السبت هو اليوم الأول أم الأحد؟ أم ربما الاثنين؟ في الواقع، قد يبدو هذا السؤال بسيطًا، لكن إجابته تكشف عن انقسام ثقافي وديني عميق يمتد لآلاف السنين. فالطريقة التي ننظم بها أيامنا ليست مجرد مسألة عملية، بل هي متجذرة بعمق في تاريخنا، عقائدنا، وتقاليدنا. حيث تعتبر بعض الثقافات الإسلامية أن السبت هو اليوم الأول من الأسبوع، بينما ترى معظم التقاليد المسيحية والغربية أن الأحد هو البداية. فيما تصر المعايير الدولية الحديثة على أن الاثنين هو الانطلاقة الفعلية لأسبوع العمل.
لذلك، في هذا المقال الشامل، سنقوم برحلة عبر التاريخ والثقافات لنستكشف الأسباب الدينية والتاريخية وراء هذا الاختلاف. أولاً، سنتعمق في المنظور الإسلامي ونفهم لماذا يُنظر إلى السبت على أنه البداية. بعد ذلك، سنتناول التقليد المسيحي وأهمية يوم الأحد كرمز للقيامة والبداية الجديدة. علاوة على ذلك، سنستعرض دور الثقافات الأخرى، من اليهودية إلى الرومانية، وتأثيرها على التقويم العالمي. وفي النهاية، ستدرك أن ترتيب أيام الأسبوع هو أكثر من مجرد جدول زمني؛ إنه قصة رائعة عن كيفية رؤية العالم من وجهات نظر مختلفة.
1. بداية الأسبوع عند المسلمين: السبت هو اليوم الأول
في العديد من الثقافات والتقاويم الإسلامية التقليدية، يُعتبر يوم السبت هو اليوم الأول من الأسبوع. وهذا المفهوم يستند إلى مجموعة من الأسس اللغوية، الدينية، والعملية.
الأدلة اللغوية من اللغة العربية
إن اللغة العربية نفسها تقدم دليلاً قويًا. فأسماء أيام الأسبوع من الأحد إلى الخميس هي أسماء رقمية مشتقة من الأعداد:
- الأحد: مشتق من “واحد”، أي اليوم الأول بعد السبت.
- الاثنين: مشتق من “اثنين”، أي اليوم الثاني.
- الثلاثاء: مشتق من “ثلاثة”، أي اليوم الثالث.
- الأربعاء: مشتق من “أربعة”، أي اليوم الرابع.
- الخميس: مشتق من “خمسة”، أي اليوم الخامس.
وبالتالي، فإن هذا الترقيم المنطقي يشير إلى أن الأسبوع يبدأ بيوم السبت، وتكون أيامه مرقمة بدءًا من الأحد. أما يوما السبت والجمعة فلهما أسماء خاصة غير رقمية لأهميتهما الدينية.

يوم الجمعة: ذروة الأسبوع ونهايته
في الإسلام، يحتل يوم الجمعة مكانة خاصة. فهو يوم عيد أسبوعي، تُقام فيه صلاة الجمعة الجامعة. وهو يوم مبارك وردت في فضله العديد من الأحاديث النبوية. ونتيجة لهذه الأهمية، يُنظر إليه على أنه ذروة الأسبوع وخاتمته. وبما أنه اليوم الذي تتجمع فيه الأمة للعبادة، فمن المنطقي أن يأتي السبت بعده كبداية لأسبوع جديد من العمل والسعي.
التطبيق العملي في بعض الدول الإسلامية
تاريخيًا، وفي بعض الدول الإسلامية حتى اليوم (مثل المملكة العربية السعودية في السابق)، كانت عطلة نهاية الأسبوع هي الخميس والجمعة. وبالتالي، كان الأسبوع الدراسي والعملي يبدأ فعليًا يوم السبت، مما يرسخ فكرة أنه اليوم الأول في الدورة الأسبوعية.
2. بداية الأسبوع عند المسيحيين: الأحد هو يوم الرب
في المقابل، تعتبر الغالبية العظمى من التقاليد المسيحية في جميع أنحاء العالم أن يوم الأحد هو اليوم الأول من الأسبوع. وهذا الاعتقاد متجذر بعمق في العقيدة المسيحية والتاريخ الروماني.
يوم القيامة: بداية جديدة
إن السبب الديني الرئيسي هو أن يوم الأحد هو اليوم الذي يؤمن المسيحيون أن يسوع المسيح قام فيه من بين الأموات بعد صلبه. لذلك، يمثل هذا اليوم “اليوم الأول” لعهد جديد، ورمزًا للانتصار على الموت والبداية الجديدة. وقد أصبح يوم الأحد، الذي أطلق عليه “يوم الرب” (Lord’s Day)، يوم العبادة الأسبوعي الرئيسي للمسيحيين، حيث يجتمعون في الكنائس للصلاة والاحتفال.
التأثير الروماني والغربي
تاريخيًا، تأثر هذا التقليد أيضًا بالتقويم الروماني. فقد كان يوم الأحد مخصصًا لعبادة إله الشمس، وكان يُعتبر بداية الأسبوع. وعندما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية في القرن الرابع الميلادي، أصدر مرسومًا يجعل من يوم الأحد يوم راحة رسميًا في الإمبراطورية الرومانية. وهذا القرار ساهم في ترسيخ مكانة الأحد كبداية للأسبوع في الثقافة الغربية التي ورثت الكثير من التقاليد الرومانية. وتقدم مصادر موثوقة مثل موسوعة بريتانيكا نظرة تاريخية مفصلة على تطور الأسبوع.

3. المنظور اليهودي والمعيار الدولي: قطع أخرى من اللغز
لإكمال الصورة، يجب أن ننظر إلى المنظور اليهودي والمعايير الدولية الحديثة.
التقويم اليهودي
في اليهودية، يعتبر يوم السبت (Shabbat) هو اليوم السابع والمقدس، وهو يوم الراحة الكاملة. وبالتالي، يبدأ الأسبوع اليهودي بعد انتهاء السبت، أي يوم الأحد. إذًا، يتفق التقويم اليهودي مع التقويم المسيحي في أن الأحد هو اليوم الأول، ولكنه يختلف معه في تحديد أي يوم هو يوم العبادة الرئيسي.
المعيار الدولي (ISO 8601)
في العصر الحديث، ولمواكبة متطلبات العمل والتجارة العالمية، تم وضع معيار دولي (ISO 8601). وهذا المعيار يحدد أن الأسبوع يبدأ يوم الاثنين وينتهي يوم الأحد. وقد تبنت معظم الدول الأوروبية والعديد من الدول الأخرى هذا المعيار في تقاويمها الرسمية، لأنه يضع يومي العطلة (السبت والأحد) في نهاية الأسبوع بشكل منطقي.
تنوع يعكس ثراء الثقافات
في الختام، من الواضح أن مسألة بداية الأسبوع عند المسلمين والمسيحيين ليست مجرد اختلاف بسيط في التقويم. بل هي انعكاس لتاريخ ديني وثقافي عميق. فبينما يرى المنظور الإسلامي الأسبوع كهيكل عمل يبدأ بالسبت ويتوج بالعبادة يوم الجمعة، يرى المنظور المسيحي الأسبوع كدورة تبدأ بالأحد، يوم القيامة والبشرى. وفي النهاية، سواء كان أسبوعك يبدأ بالسبت، الأحد، أو الاثنين، فإن هذا التنوع يذكرنا بالطرق المختلفة التي تنظم بها البشرية وقتها وتمنح معنى لأيامها. ويمكنك معرفة المزيد في مقالنا عن لماذا سميت أيام الأسبوع.
أول من اعتبر الأسبوع سبعة أيام





