الرئيسية » الثقافة » روايات بوليسية عربية 2025 – الفسيفسائي و دائرة التوابل : حين يجتمع التشويق بالفكر
روايات بوليسية عربية 2025

روايات بوليسية عربية 2025 – الفسيفسائي و دائرة التوابل : حين يجتمع التشويق بالفكر

كتبه Mohamad
0 تعليقات

تميزت روايات بوليسية عربية 2025 باستخدامها لأدوات سردية مبتكرة وشخصيات غير تقليدية، شهدت الساحة الأدبية العربية بروز روايات بوليسية عربية 2025 خارجة عن المألوف، تحمل بُعدًا نفسيًا وفنيًا مميزًا. من بين أبرز هذه الأعمال تأتي روايتان لامعتان: الفسيفسائي لعيسى ناصري، ودائرة التوابل لصالحة عبيد. كل منهما أعاد تعريف الرواية البوليسية من خلال توظيف تقنيات سردية مبتكرة وقضايا إنسانية عميقة.

رواية “الفسيفسائي” صعدت بسرعة إلى الأضواء بعد أن لفتت انتباه النقاد والجمهور بفضل حبكتها الذكية. تبدأ بجريمة قتل غامضة في قرية بـ”زرهون” قرب وليلي الأثرية بالمغرب، حيث يقود المحقق “مراد” تحقيقه عبر رواية داخل رواية، يغوص في فصول تتداخل فيها التاريخ، الفنّ، والطب النفسي

أما رواية “دائرة التوابل” لصالحة عبيد، فقد انطلقت من قائمة طويلة لبوكر 2024، لتأخذ القارئ في رحلة رائحة عبر ثلاث مدن وثلاثة أزمنة. بطلتها “شيريهان” تملك قدرة خارقة على تمييز الروائح، وتستخدم تلك الحاسة لتحاكي العالم من حولها، وتنفتح على لغز يغذي السرد بين الطابع البوليسي والاجتماعي

هل هي بوليسية فقط؟ أم تجاوزت الحدود؟

في الأولى، يبدو أنها رواية بوليسية تقليدية في البداية، بحلّ لغز جريمة ذهبت ضائعة لأكثر من عامين. لكن “الفسيفسائي” ينقلك سريعاً إلى عالم الأرشيف، المذكرات، المرئيات الصوتية، والتاريخ القديم والحديث، لتصبح الرواية فسيفساء سردية أكثر مما هي تحقيق جنائي

في الثانية، لا تقتصر “دائرة التوابل” على مطاردة مرتكب جريمة، بل تحوّل الحاسة نفسها إلى رمزية لتحليل المجتمع، التراتب الاجتماعي، وتاريخ مشبّع بالرائحة. الشخصية المركزية تقلّب رائحة توابل، كما تقلب قضايا إنسانية حول السلطة والجنس والفقدان

روايات بوليسية عربية 2025 – الأسلوب والتجديد في السرد

يحاكي أسلوب “الفسيفسائي” فن الفسيفساء: فصول تبدو مستقلة، لكنها تندمج بذكاء لتكوّن سردًا مركبًا ومفكّكًا في آن واحد. الرواية تنتقل بين الماضي الروماني والحاضر العصري وفي قلبها ضمير جنائي ينقب عن الحقائق

أما صالحة عبيد، فتعتمد في “دائرة التوابل” على لغة حسية فريدة، تنقلك عبر الرائحة إلى أعماق الشخصيات، التاريخ، والثقافة الخليجية، فتجمع بين البوليسية الاجتماعية والرواية الرمزية العالية

قيمة أدبية تتجاوز حدود الفئة

روايتا 2025 لم تتركا عنصر التشويق، لكنهما أضافتا عناصر عميقة: التاريخ، الفن، الموروث الثقافي، العلاقة بالحواس، والبحث عن الذات. كل منهما توفّق في تقديم سرد مبتكر يُبعدهما عن التصنيف الضيق للبوليسية فقط، ليصبحا أعمالًا تطرح قضايا أكبر بكثير من الجريمة وحدها.

لماذا يجب أن تقرأهما؟

  • الفسيفسائي يقدّم لك تجربة قراءة غير متوقّعة: لغزاً يعانق الفنّ والتاريخ، يجعلك مرجعياً فوق قراءة الجريمة التقليدية.
  • دائرة التوابل تستخدم الحواس كمدخل لتحقيق نفسي واجتماعي، لتتحوّل رائحة الهيل إلى رمزية لفهم الجنس، التاريخ، والمكان.

في الأقسام التالية من هذا المقال، سننقّب في كل رواية على حدة – بنية السرد، رموزها، بناء الشخصيات، وردود الفعل، وأثرها في المشهد الأدبي العربي. رحلتنا مع الروايات البوليسية العربية تبدأ هنا…

تحليل روايات بوليسية عربية 2025: الفسيفسائي ودائرة التوابل

الفسيفسائي – عبور زمني في قلب الجريمة

تُعد ‘الفسيفسائي’ واحدة من أبرز روايات بوليسية عربية 2025 التي ربطت بين الأدب والتحقيق التاريخي: جريمة قتل غامضة في قرية مغربية نائية، حيث يُستدعى المحقق مراد بعد عامين من وقوعها، بناءً على ظهور أدلة جديدة. لكن ما تلبث الرواية أن تنقلب على التوقعات، حيث تتداخل الوقائع مع وقائع موازية، وتتعدد الروايات داخل الرواية، وكأن القارئ يسير على قطع فسيفساء متناثرة عليه أن يجمعها ليرى الصورة الكبرى.

تتميز الحبكة بطابع متشظٍ، فلا تسير بخط زمني واحد، بل تنتقل بين الماضي الروماني للمنطقة، والماضي القريب، ويوميات القاتل المفترض، وأرشيفات فنية من عهد الاستعمار الفرنسي، وملفات نفسية. هذا التداخل يمنح الرواية طابعًا موسوعيًا، حيث تجمع بين التحقيق البوليسي والتحليل الحضاري.

مراد – المحقق الباحث عن المعنى

شخصية المحقق مراد ليست شخصية نمطية، بل أشبه بفيلسوف مشكك أكثر منه ضابط تحقيق. يعاني من أرق دائم، وهواجس عن العدل، وذاكرة شخصية مثقلة. خلال التحقيق، يعيد فتح جراحه الخاصة، ويكتشف أن الحقيقة لا تكمن فقط في ما جرى، بل في ما فشل المجتمع في مواجهته. هو نموذج لبطل مضاد، لا يثق بالمؤسسة، ويبحث عن خلاص فردي عبر كشف الحقيقة.

البنية السردية كفسيفساء

تتألف الرواية من فصول قصيرة، بعضها لا يتجاوز نصف صفحة، وبعضها رسائل قديمة أو مقاطع من لوحات مذكورة في أرشيف فني. تفرض هذه التقنية على القارئ أن يشارك في بناء السرد، ما يمنح الرواية عمقًا لا يتوفر في الأعمال البوليسية التقليدية. كما توظف الرمزية بشكل بارع، من خلال الإشارة إلى الفسيفساء الرومانية الموجودة فعليًا في مدينة “وليلي” الأثرية، لتربط بين الفعل الجنائي والتاريخ الثقافي المتراكم.

الرسالة الاجتماعية

رغم أنها رواية تحقيق، فإن الفسيفسائي لا تتجاهل القضايا الاجتماعية: الإقصاء، الفساد الإداري، الطبقية، والهوية المحلية. تبرز شخصيات ثانوية ترمز لكل طبقات المجتمع المغربي، من العمدة الفاسد إلى الحارس الليلي الحكيم، ومن الفتاة القروية المتعلمة إلى الفنان العجوز المنعزل.

دائرة التوابل – الحواس كبوابة للذاكرة

في المقابل، تقدم ‘دائرة التوابل’ بُعدًا جديدًا لفهم الجريمة النفسية ضمن إطار روايات بوليسية عربية 2025. فهي تبدأ من مدينة خليجية – لم تُسمّ بالاسم – حيث تسكن شيريهان، الشابة التي وُلدت بحاسة شم خارقة. لكن هذه القدرة ليست مجرد موهبة، بل عبء ثقيل. فهي تلتقط رائحة الخوف، الخيانة، الشهوة، والموت. تستخدم هذه القدرة في عملها كمساعدة بحث في مركز جنائي، إلى أن تتورط في جريمة معقّدة لا تحل بالأدلة المادية، بل عبر تحليل الروائح.

شيريهان – البطلة الخارجة عن المعايير

ليست شيريهان بطلة خارقة، بل شخصية هشة، تعاني من عزلة نفسية، وتاريخ عائلي معقّد. علاقتها بوالدتها المتسلطة، وأختها الغائبة، ترسم خلفية عاطفية مضطربة. لكنها في الوقت نفسه، تمتلك بعدًا روحيًا في فهمها للعالم من خلال الرائحة، وكأنها ترتبط بما هو غير مرئي أو محسوس لدى الآخرين.

الرائحة كلغة سردية

تُعتبر الرواية تجربة فريدة في توظيف الحواس داخل السرد. تُقسَّم الفصول بحسب نوع التوابل (الهيل، الزنجبيل، القرفة، الفلفل الأسود…)، وكل نوع يرتبط بجزء من القصة أو مرحلة نفسية للشخصية. هذه المقاربة تمنح الرواية تفرّدًا لغويًا ومعنويًا، حيث تتحول الرائحة إلى رموز للذكرى، التوق، الخيانة، والحنين.

بُعد نسوي اجتماعي

تعالج الرواية قضايا المرأة في المجتمع الخليجي بشكل ذكي وغير مباشر. من خلال استرجاعات بطلتها، نلمس ضغوط الأعراف، التهميش العاطفي، والتناقض بين الصورة النمطية والواقع. شيريهان لا تتحدث عن القمع، بل “تشمّه”، وتفسّره من خلال تجربتها الداخلية. وهذا ما يجعل الرواية أكثر تأثيرًا دون الشعور بالمباشرة أو الخطابة.

التحقيق كأداة لفهم الذات

الجريمة التي تُحقق فيها شيريهان ليست الهدف، بل الوسيلة لفهم ذاتها. ومع تطور الأحداث، تكتشف أن المتهم الحقيقي ليس شخصًا محددًا، بل شبكة من الأسرار والعلاقات والروائح القديمة التي لا تزال تنبعث رغم مرور الزمن.

بين العملين: تشابه واختلاف

  • كلا العملين يتجاوز البُعد البوليسي البحت ليقدّم تأملاً فلسفيًا في الذاكرة والهوية.
  • كل منهما يعتمد على شخصية غير تقليدية – مراد الباحث الفلسفي، وشيريهان الحسّية المرهفة.
  • بينما تشتبك “الفسيفسائي” مع التاريخ والرمز الثقافي، تندمج “دائرة التوابل” في الحواس والرمز الحسي.

هذان العملان يثبتان أن الرواية البوليسية العربية قادرة على التجديد، وتقديم مساحات تفكير جديدة، بعيدًا عن النسخ المكررة التي كانت تطغى على هذا النوع.

روايات بوليسية عربية 2025 – انطباعات القراء وآراء النقاد – ماذا قالوا عن الفسيفسائي ودائرة التوابل؟

الفسيفسائي – جريمة تتجاوز الزمان

أشاد القرّاء والنقاد على حدّ سواء بأسلوب رواية الفسيفسائي. وُصفت بأنها “رواية تلزمك بالتركيز من أول سطر حتى النهاية”، وقال أحد القراء: “لم أقرأ جريمة، بل سافرت عبر طبقات من الزمن والثقافة والتاريخ.”

نقاد الأدب رأوا أن الرواية أعادت تقديم الرواية البوليسية في ثوب فلسفي وفني. كما كتب أحدهم: “عيسى ناصري صنع جريمة لا تُحل فقط، بل تُفهم، وتُحلل، وتُتذوق فكريًا.”

وقد نُشرت مراجعات واسعة عنها في مجلات ثقافية مثل “الكاتب المعاصر” و”أدب اليوم”، حيث أشادوا بقدرة الرواية على ربط الماضي بالحاضر دون افتعال.

دائرة التوابل – رائحة تأسر القلوب

أما دائرة التوابل، فقد اعتبرها كثير من القراء “أدبًا نسويًا بوليسيًا من نوع خاص”. أثنت المراجعات على قوة الشخصية المركزية شيريهان، والأسلوب الحسي الفريد. قارئة كتبت: “لم أكن أتصور أن الرائحة يمكن أن تكون لغة أدبية كاملة!”

وقالت مجلة “الراوي العربي” إن الرواية: “مزجت ببراعة بين عالم الحواس والجريمة، وكانت أقرب إلى لوحة عطرية غامضة.”

وقد رُشّحت الرواية لجائزة الشيخ زايد للكتاب في فئة الأدب، وبلغت القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية.

روايات بوليسية عربية 2025 – اقتباسات من الروايتين

من الفسيفسائي: “كل جريمة تترك ظلاً في التاريخ، ما لم يره أحد لا يعني أنه لم يكن موجودًا.”

من دائرة التوابل: “كنت أميز الخيانة من رائحتها، كما يُميّز الطفل حليب أمه من بين ألف رائحة.”

بين الجوائز والقرّاء – صعود الرواية البوليسية العربية

تعكس روايات بوليسية عربية 2025 نضجًا واضحًا في أسلوب الكتابة وتنوعًا في الطرح الأدبي

كما فُتحت أبواب المقارنة بينهما، ودار جدل حول من منهما يستحق التتويج، لا من باب التنافس، بل من باب الاعتراف بأن الرواية البوليسية باتت جديرة بالتقدير الثقافي لا التجاري فقط.

في عالم الأدب العربي لعام 2025، لم تعد الرواية البوليسية حبيسة المعادلات التقليدية. بل أصبحت قادرة على مناقشة القضايا الكبرى: الهوية، الذاكرة، الحواس، والعدالة من منظورات فنية وإنسانية عميقة.

روايتا الفسيفسائي ودائرة التوابل تثبتان أن الجريمة لا تُكتب فقط للكشف عنها، بل لفهم ما تُخفيه فينا. إنها ليست نهاية لحدث، بل بداية لرحلة تأمل.

مقال: نساء الكرنتينا – رواية نائل الطوخي التي كسرت حدود اللغة والواقع

الفسيفسائي

قد تعجبك أيضاً

اترك تعليقًا

موقع NatureTopic.com هو وجهتك الموثوقة لاكتشاف أسرار الطبيعة، والعلوم، والبيئة، وكل ما يثير الفضول حول كوكبنا. نعمل على تقديم محتوى عالي الجودة يجمع بين الدقة العلمية والأسلوب السلس، لنأخذك في رحلة معرفية ممتعة بين الجبال والبحار والغابات والصحارى.