الحرارة المسجلة والملموسة: لماذا تشعر بحرارة تختلف عن توقعات الطقس؟
كثيرًا ما يحدث هذا الموقف. أولاً، تستمع إلى نشرة الأحوال الجوية. يخبرك المذيع أن درجة الحرارة اليوم هي 35 درجة مئوية. بعد ذلك، تخرج إلى الشارع. ولكنك تفاجأ بأن الإحساس بالحرارة أقسى بكثير. وهنا، قد تتساءل: لماذا نشعر بدرجة حرارة مختلفة تمامًا عن الرقم الدقيق الذي يسجله مقياس الحرارة؟ الإجابة تكمن في مفهوم علمي مهم. إنه الفرق بين الحرارة المسجلة والملموسة.
هذا الفرق ليس مجرد إحساس عابر. بل هو ظاهرة حقيقية. وهي تؤثر على صحتنا وسلامتنا وتخطيطنا اليومي. لذلك، في هذا الدليل الشامل، سنقوم بتفكيك هذا المفهوم. سوف نشرح ما هي الحرارة المسجلة. ثم سنتعرف على العوامل الخفية التي تغير إحساسنا بها. وفي النهاية، ستفهم لماذا “ما تشعر به” هو في الغالب أهم من الرقم الرسمي.
1. ما هي الحرارة المسجلة؟ الرقم العلمي في الظل
الحرارة المسجلة هي درجة حرارة الهواء الفعلية. إنها الرقم الرسمي الذي تعلنه هيئات الأرصاد الجوية. ولكن، لضمان الدقة والمقارنة العادلة، يتم قياسها في ظل ظروف صارمة وموحدة عالميًا. وهذه الظروف تشمل:
- القياس في الظل: يوضع مقياس الحرارة دائمًا في الظل. وهذا لمنع أشعة الشمس المباشرة من التأثير على قراءته.
- التهوية الجيدة: يوضع داخل صندوق خاص (يسمى “كوخ ستيفنسون”). وهذا الصندوق يسمح بتدفق الهواء بحرية من حوله.
- الارتفاع المناسب: يتم تثبيته على ارتفاع معين فوق سطح الأرض. وعادةً ما يكون بين 1.25 و 2 متر.
إذًا، الحرارة المسجلة هي قياس علمي بحت لحرارة الهواء. إنها نقطة انطلاق ممتازة. ولكنها لا تروي القصة الكاملة.
2. ما هي الحرارة الملموسة؟ تجربة جسدك الشخصية
الحرارة الملموسة (أو ما يُعرف بـ “Feels Like”) هي ما يشعر به جسمك حقًا. إنها ليست رقمًا ثابتًا. بل هي تجربة شخصية. وهي تتأثر بكيفية تفاعل جسمك مع مجموعة من العوامل الجوية الأخرى. فجسم الإنسان لديه نظام تبريد خاص به. وهو يعتمد بشكل أساسي على تبخر العرق. وبالتالي، فإن أي شيء يؤثر على عملية التبخر هذه سيغير من إحساسنا بالحرارة بشكل كبير.
3. العوامل الحاسمة التي تغير كل شيء
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تحول الرقم المسجل إلى إحساس مختلف تمامًا. دعنا نستكشفها بالتفصيل.
الرطوبة: العدو الخفي في الصيف
الرطوبة هي العامل الأكثر تأثيرًا في الطقس الحار. فلكي يبرد جسمك نفسه، فإنه ينتج العرق. بعد ذلك، يتبخر هذا العرق من على سطح جلدك. وهذه العملية تسحب الحرارة بعيدًا عن جسمك. ولكن، عندما تكون نسبة الرطوبة في الهواء مرتفعة، يكون الهواء مشبعًا ببخار الماء. ونتيجة لذلك، يصبح من الصعب جدًا على العرق أن يتبخر. إنه يشبه محاولة تجفيف منشفة مبللة في غرفة بخار. لذلك، يبقى العرق على جلدك. وتفشل آلية التبريد الطبيعية في جسمك. وهذا يجعلك تشعر بأن الجو أكثر حرارة ولزوجة وخنقًا مما هو عليه بالفعل.
مؤشر الحرارة (Heat Index)
لهذا السبب، طور العلماء “مؤشر الحرارة”. وهو يجمع بين درجة الحرارة المسجلة ونسبة الرطوبة. وهو يعطي رقمًا واحدًا يمثل الحرارة الملموسة. على سبيل المثال، إذا كانت درجة الحرارة 32 درجة مئوية والرطوبة 70%، فإن مؤشر الحرارة أو الإحساس الفعلي سيكون حوالي 41 درجة مئوية!
الرياح: صديقك في الصيف وعدوك في الشتاء
تلعب الرياح دورًا مزدوجًا. ففي يوم حار، تكون الرياح منعشة للغاية. والسبب هو أنها تساعد على تسريع تبخر العرق. كما أنها تزيل طبقة الهواء الدافئة الرقيقة التي تحيط بجلدنا. وبالتالي، تجعلنا نشعر بالبرودة. على النقيض من ذلك، في يوم بارد، تصبح الرياح هي العدو. فهي تقوم بنفس العملية. لكنها هذه المرة تزيل طبقة الهواء الدافئة التي يحاول جسمك الحفاظ عليها لتدفئة نفسه. وهذا يجعلك تشعر بالبرد القارس أكثر بكثير من درجة الحرارة الفعلية.
مؤشر التبريد بالرياح (Wind Chill)
لهذا السبب، نستخدم “مؤشر التبريد بالرياح” في فصل الشتاء. وهو يوضح مدى البرودة التي ستشعر بها على جلدك المكشوف. على سبيل المثال، إذا كانت درجة الحرارة 0 درجة مئوية وكانت هناك رياح بسرعة 30 كم/ساعة، فإن الإحساس الفعلي بالبرودة (Wind Chill) سيكون حوالي -7 درجات مئوية.
الإشعاع الشمسي: الحرارة المباشرة من السماء
هذا العامل واضح ومباشر. فالوقوف تحت أشعة الشمس المباشرة سيجعلك تشعر بحرارة أكبر بكثير من الوقوف في الظل. والسبب هو أن جلدك وملابسك يمتصان الإشعاع الشمسي مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسطح الداكنة مثل الأسفلت والطرق تمتص كميات هائلة من الحرارة. ثم تشعها مرة أخرى، مما يزيد من الإحساس بالحرارة في المدن.
4. لماذا هذا الفرق مهم؟ التأثير على الصحة والسلامة
إن فهم الفرق بين الحرارة المسجلة والملموسة ليس مجرد مسألة معرفية. بل هو أمر حاسم لصحتنا وسلامتنا.
مخاطر الحرارة الملموسة المرتفعة
عندما يكون مؤشر الحرارة مرتفعًا، يواجه الجسم صعوبة في تبريد نفسه. وهذا يزيد من خطر الإصابة بأمراض مرتبطة بالحرارة. ومنها الإجهاد الحراري. والأخطر من ذلك، ضربة الشمس، التي يمكن أن تكون قاتلة. لذلك، يجب على كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة توخي الحذر الشديد عندما تكون الحرارة الملموسة عالية.
مخاطر البرودة الملموسة المنخفضة
بالمثل، عندما يكون مؤشر التبريد بالرياح منخفضًا جدًا، يزداد خطر الإصابة بمشاكل مرتبطة بالبرد. ومنها قضمة الصقيع (Frostbite). وكذلك انخفاض حرارة الجسم (Hypothermia). ويمكن أن تحدث هذه الحالات بسرعة كبيرة على الجلد المكشوف في الطقس العاصف والبارد.
5. استمع إلى جسدك، وليس فقط مقياس الحرارة
في الختام، يتضح أن الرقم الذي يظهر على مقياس الحرارة هو مجرد جزء من القصة. فإن تجربتنا مع الطقس هي نتيجة تفاعل معقد. وهذا التفاعل يحدث بين درجة حرارة الهواء، والرطوبة، والرياح، والشمس. لذلك، في المرة القادمة التي تخطط فيها ليومك، لا تنظر فقط إلى درجة الحرارة المسجلة. بل ابحث عن رقم “الحرارة الملموسة” أو “Feels Like”. فهو سيمنحك فكرة أكثر واقعية عما ينتظرك في الخارج. والأهم من ذلك كله، تعلم أن تستمع إلى جسدك. فهو أفضل مقياس حرارة على الإطلاق. نرجو ان كل الفائة من من هذا المقال الحرارة المسجلة والملموسة
اقرأ في مقالنا عن:
- البطانية الحرارية للناجين في الحفاظ على حرارة الجسم وحمايتهم من الصدمة الحرارية
- انفصال جبل جليدي ضخم بحجم لندن عن القطب الجنوبي
- الذكاء الاصطناعي والمناخ: هل يمكنه إنقاذ كوكب الأرض؟
ما هو الفرق بين درجة الحرارة المسجلة ودرجة الحرارة الملموسة





