لماذا لا يمر الضوء عبر الأجسام غير الشفافة؟ شرح علمي مبسط
عندما يلقي جدارٌ بظِلٍّ كثيف، أو عندما نرى انعكاسنا في مرآة، أو ننظر عبر نافذة زجاجية صافية، فإننا نشهد تفاعلات أساسية ومعقدة للضوء مع المادة. في الواقع، إن السؤال البسيط “لماذا لا يمر الضوء عبر الأجسام المعتمة؟” يفتح الباب على عالم مذهل من فيزياء الكم. فالأمر لا يتعلق بمدى “صلابة” الجسم، بل يتعلق بالرقصة الدقيقة بين جسيمات الضوء (الفوتونات) وجسيمات المادة (الإلكترونات). لذلك، في هذا الدليل، سنقدم شرحًا مبسطًا لهذه الظاهرة.
المصائر الثلاثة للضوء: المرور، الامتصاص، والانعكاس
عندما يصطدم شعاع من الضوء بسطح أي مادة، يمكن أن يحدث له واحد من ثلاثة أشياء رئيسية (أو مزيج منها):
- المرور (Transmission): يعبر الضوء من خلال المادة دون أن يتم امتصاصه بشكل كبير. وهذا ما يحدث مع الأجسام الشفافة مثل الزجاج والماء.
- الامتصاص (Absorption): “تبتلع” المادة طاقة الضوء وتحولها إلى شكل آخر من أشكال الطاقة، غالبًا الحرارة. وهذا هو ما يحدث في الأجسام المعتمة.
- الانعكاس (Reflection): يرتد الضوء عن سطح المادة. إذا كان السطح أملسًا (مثل المرآة)، يحدث انعكاس منتظم. وإذا كان خشنًا (مثل ورقة بيضاء)، يتشتت الضوء في كل الاتجاهات.

السر يكمن في الداخل: عالم الذرات والإلكترونات
لفهم سبب اختيار الضوء لأحد هذه المصائر دون الآخر، يجب أن نغوص في بنية المادة نفسها. تتكون كل مادة من ذرات، وتحتوي هذه الذرات على إلكترونات تدور حول النواة. ولكن، هذه الإلكترونات لا تدور بشكل عشوائي.
تخيل أن الإلكترونات تعيش في “مدارات” أو “مستويات طاقة” محددة، مثل درجات السلم. لا يمكن للإلكترون أن يقف بين درجتين؛ يجب أن يكون على درجة محددة. لكي يقفز الإلكترون من درجة منخفضة إلى درجة أعلى، فإنه يحتاج إلى اكتساب كمية “دقيقة” من الطاقة، وهذه الكمية تساوي تمامًا الفرق في الطاقة بين الدرجتين.
وهنا يأتي دور الضوء. فالضوء يتكون من جسيمات تسمى الفوتونات، وكل فوتون يحمل كمية محددة من الطاقة (تعتمد على لونه). لكي تمتص المادة فوتونًا، يجب أن تكون طاقة هذا الفوتون مساوية تمامًا لطاقة “القفزة” المتاحة لأحد إلكتروناتها.
جدول ملخص لتفاعلات الضوء الأساسية مع المادة
| نوع التفاعل | الشرح | النتيجة |
|---|---|---|
| الامتصاص (في الأجسام المعتمة) | يجيب سؤال ما هو امتصاص الضوء بأنه العملية التي تحبس فيها المادة طاقة الفوتون، وهذا يفسر لماذا لا يمر الضوء عبر الأجسام. | يتحول الضوء إلى حرارة، والجسم يصبح معتمًا. |
| المرور (في الأجسام الشفافة) | يوضح الفرق بين الأجسام الشفافة والمعتمة أن الشفافة لا تمتلك مستويات طاقة مناسبة لامتصاص الضوء المرئي. | يمر الضوء من خلالها، مما يسمح لنا بالرؤية عبرها. |
| الانعكاس (وتكون الألوان) | يقدم تعريف انعكاس الضوء بأنه ارتداد الفوتونات التي لم يتم امتصاصها عن السطح. | هذا يفسر لماذا نرى الأجسام بألوان مختلفة؛ فاللون الذي نراه هو اللون المنعكس. |
شرح شفافية الأجسام المختلفة
بناءً على القاعدة السابقة، يمكننا الآن فهم الفرق بين الأجسام الشفافة وغير الشفافة.
1. الأجسام الشفافة (الزجاج): لماذا يمر الضوء؟
في المواد الشفافة مثل الزجاج، تكون الفجوات بين مستويات طاقة الإلكترونات كبيرة جدًا. إن طاقة فوتونات الضوء المرئي ببساطة “غير كافية” لجعل الإلكترونات تقوم بأي قفزة. ونتيجة لذلك، تتجاهل الإلكترونات هذه الفوتونات تمامًا، مما يسمح لها بالمرور عبر المادة دون عائق. يمكن تشبيه الأمر بمحاولة صعود سلم درجاته عالية جدًا، فلا يمكنك الصعود وستمر بجانبه.
2. الأجسام المعتمة (الخشب): لماذا لا يمر الضوء؟
في المواد المعتمة مثل الخشب أو المعدن، تكون هناك وفرة من مستويات الطاقة المتاحة للإلكترونات، والفجوات بينها تتطابق تمامًا مع طاقات فوتونات الضوء المرئي. لذلك، عندما يصطدم الضوء بهذه المواد، تجد الإلكترونات “قفزات” مناسبة لها. فتمتص طاقة الفوتونات وتقفز إلى مستويات طاقة أعلى. بعد فترة وجيزة، تعود هذه الإلكترونات إلى مستوياتها الأصلية، وتطلق الطاقة التي اكتسبتها على شكل اهتزازات (حرارة). وهكذا، يتم “حبس” الضوء وتحويله إلى حرارة، ولا يمر أي شيء منه إلى الجانب الآخر.

سؤال إضافي: إذا كان الجسم يمتص الضوء، فلماذا نرى الألوان؟
هذا سؤال ممتاز. إن لون الجسم المعتم ليس هو لون الضوء الذي يمتصه، بل هو لون الضوء الذي **يعكسه**. يتكون الضوء الأبيض من جميع ألوان الطيف (قوس قزح). عندما يسقط الضوء الأبيض على تفاحة حمراء:
- تمتص قشرة التفاحة جميع ألوان (طاقات) الفوتونات: الأزرق، الأخضر، الأصفر، إلخ.
- لكنها لا تستطيع امتصاص الفوتونات ذات الطاقة المطابقة للون الأحمر، فتقوم بعكسها أو تشتيتها.
هذا الضوء الأحمر المنعكس هو الذي يصل إلى أعيننا، فنرى التفاحة باللون الأحمر. الجسم الأسود يمتص جميع الألوان، بينما الجسم الأبيض يعكس جميع الألوان.
رقصة كونية بين الضوء والمادة
في الختام، إن إجابة سؤال “لماذا لا يمر الضوء عبر الأجسام المعتمة؟” هي قصة رائعة عن التفاعل بين عالم الكم وعالمنا المرئي. إن شفافية أو عتامة أي مادة لا تحددها صلابتها، بل تحددها البنية الإلكترونية لذراتها. فكل مادة لديها “قائمة” محددة من طاقات الفوتونات التي يمكنها امتصاصها. إذا لم تكن طاقة الضوء المرئي على هذه القائمة، فإنه يمر بسلام. وإذا كانت على القائمة، يتم امتصاصه. إنها رقصة كونية دقيقة تحكم كل ما نراه حولنا.
اقرأ في مقالنا عن: الألوان عند إغلاق العينين: بين الدماغ والضوء والوهم
مفهوم انكسار الضوء في الماء





