البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء: اكتشاف أغرب الظواهر الجوية
ومضة خارقة تتحدى القوانين
في ليلةٍ هادئةٍ على سطح كوكبنا، وبينما تهطل الأمطار وتُضيء البروق السماء، قد يظهر فجأة مشهدٌ لم يره معظم الناس من قبل: وميض برقي هائل يتجه من السحب إلى الفضاء الخارجي، بدلًا من أن يضرب الأرض كما اعتدنا! إنه مشهدٌ مهيب يُعرف علميًا باسم البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء، أو “البرق العملاق” (Giant Jet Lightning)، واحدة من أندر الظواهر الجوية التي حيّرت العلماء لعقود.
لطالما اعتقد الإنسان أن البرق يسير في اتجاهٍ واحد — من السماء نحو الأرض — لكن التطور العلمي ورصد الأقمار الصناعية كشف لنا عن حقائق مذهلة: فهناك ومضات كهربائية ضخمة تخترق السحب الركامية وتندفع صعودًا عبر طبقات الغلاف الجوي لتصل إلى حافة الفضاء!
هذا النوع من البرق لا يُرى إلا في ظروف جوية محددة جدًا، ويحدث على ارتفاعات قد تصل إلى 90 كيلومترًا فوق سطح الأرض، أي في طبقة “الميزوسفير” (Mesosphere)، وهي المنطقة الفاصلة بين الغلاف الجوي والفضاء. ويُعتقد أنه يحمل طاقة كهربائية تفوق البرق العادي بعشرات المرات.
قال الله تعالى: ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الرعد: 12]، فالبرق آية من آيات القدرة الإلهية، يذكّرنا بقوة الخالق الذي يسوق الرياح، ويُنزل المطر، ويُبدع في خلق كل ظاهرة بميزانٍ دقيق.

في هذا المقال، سنستعرض معًا قصة اكتشاف البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء، ونتعرّف على أنواعه، وخصائصه، وأسباب حدوثه، وكيف استطاع العلماء توثيقه لأول مرة، كما سنغوص في أسرار هذا الوميض الغامض الذي يجمع بين العلم والدهشة والإيمان.
ما هو البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء؟
البرق الصاعد أو البرق العملاق (Giant Jet Lightning) هو ظاهرة كهربائية نادرة تحدث فوق العواصف الرعدية، حيث ينطلق التيار الكهربائي من قمم السحب الركامية باتجاه الطبقات العليا من الغلاف الجوي، بدلًا من النزول نحو الأرض كما في البرق العادي.
يُعتبر هذا البرق أحد أنواع ما يُعرف بـالبرق العلوي (Upper Atmospheric Lightning)، الذي يشمل أيضًا ظواهر مثل “السبرايت” (Sprites) و”البلو جيت” (Blue Jets) و”التي رولرز” (Trolls)، وهي كلها ومضات مضيئة تحدث فوق الغيوم في الطبقات الجوية العليا.

1. كيف يختلف عن البرق العادي؟
بينما يضرب البرق التقليدي الأرض نتيجة فرق الجهد بين السحب وسطح الأرض، فإن البرق الصاعد يحدث عندما يتراكم شحن كهربائي قوي جدًا في قمة السحابة، ويجد مساره عبر الغلاف الجوي نحو الفضاء، فيطلق ومضة هائلة تمتد لعشرات الكيلومترات.
2. أين يحدث البرق العملاق؟
تحدث هذه الظواهر غالبًا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وخاصة فوق المحيطات أو الجزر المعزولة حيث تنشأ عواصف قوية جدًا. رُصدت معظم الحالات في منطقة الكاريبي، وتايوان، وأمريكا الوسطى، وأجزاء من المحيط الهادئ.
📋 جدول: مقارنة بين أنواع البروق
| النوع | الاتجاه | الارتفاع التقريبي | اللون |
|---|---|---|---|
| البرق الأرضي | من السحب إلى الأرض | 0–15 كم | أبيض أو أزرق |
| البرق الصاعد (العملاق) | من السحب إلى الفضاء | حتى 90 كم | أزرق وأرجواني |
| السبرايت | من الغيوم إلى الطبقات العليا | 50–80 كم | أحمر أو وردي |
3. أول توثيق علمي للظاهرة
رُصد أول برق عملاق عام 2001 فوق بحر الكاريبي بواسطة أقمار صناعية أمريكية، لكن التوثيق الأكثر وضوحًا حدث عام 2022 في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، حين سجّل العلماء ومضة صاعدة بلغ ارتفاعها نحو 80 كم وطاقتها تفوق البرق العادي بـ50 ضعفًا. هذا الاكتشاف دفع الباحثين لإعادة النظر في فهمهم لديناميكية الكهرباء الجوية.

4. الأسباب الفيزيائية المحتملة
يعتقد العلماء أن البرق الصاعد يحدث عندما يكون هناك اختلال كبير في توازن الشحنات داخل السحابة، مع وجود تيارات صاعدة قوية جدًا تُساعد في دفع التفريغ الكهربائي نحو الأعلى. كما تلعب عوامل مثل الرطوبة العالية، ودرجة الحرارة، وكثافة الغيوم دورًا في تحديد اتجاه البرق.
5. الأهمية العلمية
دراسة هذه الظواهر تُساعد العلماء في فهم أفضل لتفاعلات الغلاف الجوي العلوي، وتأثيراتها على الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات والملاحة الجوية. كما قد تفتح الباب أمام اكتشافات جديدة حول العلاقة بين الطقس الأرضي والفضاء القريب.
البرق في القرآن والتأمل الإيماني
البرق في القرآن ذُكر كآية تُثير الخوف والرجاء في آنٍ واحد، فهو تذكير بقوة الله في تدبير الكون، وجمال النظام الذي يسير عليه كل شيء. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الرعد: 12]. فالخوف من عظمة الظاهرة، والطمع في خيرها، وهكذا يجمع البرق بين الرهبة والرحمة في مشهدٍ واحد.

الأسئلة الشائعة حول البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء
هل يشكّل البرق الصاعد خطرًا على الطائرات؟
نادراً، لأنه يحدث في طبقات عليا تفوق ارتفاع الطيران التجاري، وغالبًا في مناطق نائية فوق المحيطات.
هل يمكن رؤيته بالعين المجردة؟
من النادر رؤيته، لكن يمكن مشاهدته أحيانًا في الليالي المظلمة فوق العواصف القوية.
ما الفرق بينه وبين السبرايت؟
البرق العملاق ينطلق من السحب إلى الفضاء، بينما السبرايت عبارة عن ومضات مضيئة في الغلاف الجوي العلوي ناتجة عن البرق الأرضي.
هل تكررت مشاهدته في الوطن العربي؟
لم تُسجّل مشاهدات مؤكدة بعد، لكن من الممكن رصده مستقبلًا مع زيادة محطات المراقبة الجوية والفضائية.
ومضة من الأرض… تُنير الفضاء
يبقى البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء شاهدًا على روعة الكون وتعقيده، ودليلًا على أن الطبيعة ما زالت تخبئ أسرارًا لم تُكتشف بعد. فكل ومضة برق هي رسالة من السماء تُذكّرنا بأن العلم والإيمان وجهان لمعرفةٍ واحدة، وأن في هذا الكون قوى لا تُرى إلا لمن يرفع بصره ويتأمل بعمق. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [فصلت: 53].
اقرأ في مقالنا عن:
- الظواهر الفلكية النادرة: مشاهد سماوية مدهشة تذهل العلماء والمراقبين
- الكرة النارية في السماء: هل هي نيزك أم شيء آخر؟
- أشكال الغيوم ومعانيها في الطقس: أغرب أنواع السحب وما تخبرنا به عن الأجواء
وميض يمتد لأكثر من 800 كيلومتر.. اكتشاف أطول برق في العالم





