البركان المخروطي: أسرار التكوين وأخطر الثورات البركانية في العالم
البركان المخروطي. في قلب الطبيعة، حيث تتجلى القوى الهائلة الكامنة في باطن الأرض، تقف هذه التكوينات الجيولوجية المذهلة. في الواقع، هي ليست مجرد جبال مشتعلة. بل هي شواهد حية على العمليات الديناميكية التي تشكل كوكبنا باستمرار. حيث تعتبر البراكين المخروطية واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للرعب والإعجاب في آن واحد. وعلى الرغم من أنها قد تكون أصغر حجمًا من أنواع البراكين الأخرى، إلا أن ولادتها غالبًا ما تكون دراماتيكية وسريعة.
لذلك، في هذا المقال الشامل والمفصل، سنأخذك في رحلة نارية إلى عالم البركان المخروطي. أولاً، سنعرف ما هو بالضبط، وما هي الخصائص التي تميزه عن البراكين الأخرى. بعد ذلك، سنستكشف خطوة بخطوة كيفية ولادته من باطن الأرض وتشكله السريع. علاوة على ذلك، سنتجول حول العالم لنتعرف على أشهر الأمثلة عليه، من البركان الذي وُلد في حقل ذرة إلى الجبل الذي يتزلج عليه المغامرون. وأخيرًا، سنناقش تأثيراته البيئية، وكيف يمكننا التعايش مع هذه القوة الطبيعية الهائلة.
ما هو البركان المخروطي؟ تعريف بالنوع الأكثر شيوعًا
ببساطة، البركان المخروطي، أو كما يُعرف علميًا بـ “مخروط الجمرة” (Cinder Cone Volcano)، هو أحد الأنواع الثلاثة الرئيسية للبراكين. والنوعان الآخران هما البراكين الدرعية والبراكين المركبة. ويتميز البركان المخروطي بشكله الكلاسيكي الذي يوحي به اسمه: تل شديد الانحدار على شكل مخروط، مع فوهة كبيرة على شكل وعاء في قمته. وعلى عكس البراكين الأخرى التي قد تستغرق آلاف السنين لتنمو، يمكن أن يتشكل البركان المخروطي خلال بضعة أشهر أو سنوات قليلة فقط.
خصائص تميز البركان المخروطي
- الشكل والحجم: يمتلك شكلاً مخروطيًا بسيطًا ومنحدرات جانبية شديدة الانحدار، بزاوية تصل إلى 30-40 درجة. وعادةً ما يكون صغير الحجم، حيث نادرًا ما يتجاوز ارتفاعه 300 متر (حوالي 1000 قدم) فوق محيطه.
- التركيب: يتكون بالكامل تقريبًا من مواد بركانية فتاتية تُقذف في الهواء أثناء الثوران. وتشمل هذه المواد الجمرة (Cinder)، اللابِلّي (Lapilli)، والرماد البركاني، التي تتراكم حول فوهة البركان.
- نوع الثوران: يرتبط البركان المخروطي بالثورانات “السترومبولية” (Strombolian eruptions). وهي ثورانات متفجرة ولكنها قصيرة العمر، تتميز بقذف فقاعات الغاز الكبيرة التي تحمل معها الصهارة إلى السطح.
كيف يتشكل البركان المخروطي؟ ولادة نارية سريعة
إن قصة ولادة البركان المخروطي هي قصة دراماتيكية وسريعة. فهي لا تتطلب عمليات جيولوجية معقدة تمتد لآلاف السنين. بل يمكن أن تبدأ فجأة وتكتمل في غضون فترة قصيرة، مما يغير وجه المناظر الطبيعية إلى الأبد. وتمر عملية التكوين بالمراحل التالية:
- صعود الصهارة الغنية بالغاز: تبدأ القصة في أعماق الأرض، حيث تتكون صهارة (ماغما) لزجة وغنية بالغازات المذابة. ومع صعودها نحو السطح، يقل الضغط عليها، مما يسمح للغازات بالتمدد وتكوين فقاعات ضخمة.
- الثوران الانفجاري: عندما تصل هذه الفقاعات الغازية الكبيرة إلى السطح، تنفجر بعنف. وهذا الانفجار يقذف قطرات من الصهارة في الهواء.
- التبريد والتصلب في الهواء: أثناء طيرانها في الهواء، تبرد هذه القطرات السائلة بسرعة وتتصلب. حيث تتحول إلى شظايا زجاجية مسامية وخفيفة الوزن تُعرف بـ “الجمرة” أو “السكوريا”.
- التراكم حول الفوهة: تسقط هذه الجمرات والرماد البركاني مرة أخرى على الأرض حول الفتحة البركانية. وبسبب طبيعتها الخشنة وغير المنتظمة، تتراكم بزاوية حادة، مكونةً تدريجيًا المنحدرات شديدة الانحدار للمخروط.
- مرحلة تدفق الحمم (أحيانًا): بعد أن تفرغ الصهارة معظم غازاتها، قد تفقد قوتها الانفجارية. حينها، قد تبدأ الحمم السائلة بالتدفق بهدوء من قاعدة البركان بدلاً من الانفجار من القمة.
أشهر البراكين المخروطية في العالم: قصص من النار
تنتشر البراكين المخروطية في جميع أنحاء العالم. لكن بعضها اكتسب شهرة خاصة بسبب قصة ولادته الفريدة أو نشاطه المستمر.
1. بركان باريكوتين – المكسيك: البركان الذي وُلد في حقل ذرة
تعتبر قصة بركان باريكوتين واحدة من أروع القصص في علم البراكين الحديث. ففي 20 فبراير 1943، كان مزارع يدعى ديونيسيو بوليدو يعمل في حقله. فجأة، اهتزت الأرض، وانشقت، وبدأ الدخان والرماد يتصاعد من فتحة صغيرة. وفي غضون 24 ساعة، تشكل مخروط صغير بارتفاع 10 أمتار. وخلال أسبوع، وصل ارتفاعه إلى أكثر من 100 متر. استمر البركان في الثوران لمدة تسع سنوات. ونتيجة لذلك، ابتلعت حممه قريتين بالكامل، ولم يتبقَ من إحداهما سوى برج الكنيسة الذي يبرز بشكل مخيف من بحر الصخور السوداء المتصلبة. واليوم، يُعتبر باريكوتين واحدًا من عجائب الدنيا الطبيعية.
2. بركان سيرو نيغرو – نيكاراغوا: جبل الرماد الأسود
يُعرف بركان سيرو نيغرو (الجبل الأسود) بأنه أحدث بركان في أمريكا الوسطى، حيث وُلد في عام 1850. وهو واحد من أنشط البراكين في المنطقة، حيث ثار أكثر من 20 مرة منذ ولادته. ويتكون بالكامل من الرماد والحصى البركاني الأسود، مما يمنحه مظهرًا فريدًا. والأكثر إثارة، أصبح هذا البركان وجهة سياحية شهيرة للمغامرين. حيث يتسلقه السياح ثم يتزلجون على منحدراته شديدة الانحدار باستخدام ألواح خشبية، في رياضة تُعرف بـ “التزلج على البراكين” (Volcano Boarding).
التأثير البيئي للبراكين المخروطية
على الرغم من طبيعتها المدمرة، تلعب البراكين المخروطية، مثل جميع البراكين، دورًا مهمًا في تشكيل الكوكب.
- تكوين تضاريس جديدة: إنها تبني جبالاً وتلالاً جديدة، وتغير مجاري الأنهار، وتضيف أراضٍ جديدة إلى السواحل.
- تخصيب التربة: على المدى الطويل، يتحلل الرماد البركاني والجمرة إلى تربة غنية جدًا بالمعادن. لهذا السبب، غالبًا ما تكون الأراضي المحيطة بالبراكين القديمة من أخصب الأراضي الزراعية في العالم.
- التأثير على المناخ: يمكن للثورانات الكبيرة أن تقذف كميات هائلة من الغازات والرماد إلى الغلاف الجوي العلوي. وهذا قد يؤدي إلى حجب أشعة الشمس وتبريد الكوكب بشكل مؤقت.
بالطبع، يمكن أن تكون هذه التأثيرات كارثية على المدى القصير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكوارث الطبيعية الأخرى مثل الزلازل: دليل شامل لفهم أسبابها وأنواعها وكيفية قياس قوتها التي قد تصاحب النشاط البركاني.
يعد البركان المخروطي أحد أشهر الأشكال البركانية على سطح الأرض، ويتميز بانحدار جوانبه وتراكم طبقاته نتيجة تدفقات الحمم المتكررة. ويساعد فهم أسرار تكوين البركان المخروطي في توضيح طبيعة نشأته والعوامل الجيولوجية المؤثرة فيه. وتتنوع أنواع البراكين المخروطية تبعًا لطبيعة المواد المقذوفة وقوة الثوران، بينما تكشف دراسة أخطر الثورات البركانية في العالم عن آثار مدمرة شكلت تضاريس جديدة وغيّرت مجرى الحياة في مناطق عديدة. كما أن التعرف على مراحل ثوران البركان المخروطي يمنح الباحثين القدرة على متابعة نشاطه وتقدير مخاطره المستقبلية بدقة أكبر.
قوة الطبيعة المبدعة والمدمرة
في الختام، يمثل البركان المخروطي ظاهرة جيولوجية رائعة. فهو يذكرنا بأن الأرض كوكب حي ونشط. ورغم الخطر الذي قد تشكله هذه البراكين، إلا أنها جزء لا يتجزأ من دورة الحياة على كوكبنا. فهي تبني بقدر ما تدمر، وتخلق تربة خصبة من قلب النار. إن فهم كيفية نشوئها وتأثيرها لا يساعدنا فقط على الاستعداد للكوارث الطبيعية وحماية أنفسنا، بل يمنحنا أيضًا تقديرًا أعمق للقوى الهائلة التي شكلت العالم الذي نعيش فيه.
اقرأ في مقالنا عن:
- انفجار بركاني يُرى من الفضاء: طاقة تفوق آلاف القنابل النووية وتأثيرات تمتد إلى المناخ
- الزلازل: دليل شامل لفهم أسبابها وأنواعها وكيفية قياس قوتها
- مقياس ريختر ما هو.. فمع كل زلزال يبرز اسمه مجددًا
- الصفائح التكتونية: كيف تشكلت القارات وما سبب الزلازل والبراكين
- هل تتنبأ الحيوانات بالزلازل قبل وقوعها؟ بين الأسطورة والحقائق العلمية
- أضواء الزلازل : بين التفسير العلمي ونظريات الأسلحة السرية
- قياس قوة الزلزال؟ فهم مقاييس الزلازل وتأثيرها على العالم
- الجبال البركانية في السعودية وتاريخها الجيولوجي
- الهزات الأرضية في الخليج العربي: الأسباب، التأثيرات، وكيفية التنبؤ بها
- براكين سيبيريا والانقراض العظيم: كيف تسببت الكارثة في “الموت العظيم”؟





