الزلازل: دليل شامل لفهم أسبابها وأنواعها وكيفية قياس قوتها
فجأة، وبدون سابق إنذار، تبدأ الأرض تحت أقدامنا بالاهتزاز. في الواقع، تعتبر الزلازل واحدة من أقوى الظواهر الطبيعية وأكثرها إثارة للرعب. فهي قادرة على تغيير معالم المدن في لحظات. كما أنها تذكرنا دائمًا بمدى قوة كوكبنا. ولكن، ما الذي يحدث بالفعل في أعماق الأرض ليسبب كل هذا الدمار؟ وهل كل الاهتزازات متشابهة؟
لذلك، في هذا الدليل الشامل، سنقوم برحلة إلى باطن الأرض. حيث سنكتشف العلم المذهل وراء الزلازل. أولاً، سنفهم ما هو الزلزال وكيف ينشأ. بعد ذلك، سنتعرف على أسبابه الرئيسية وأنواعه المختلفة. وفي النهاية، سنتعلم كيف يقيس العلماء قوته الهائلة. وهكذا، استعد لفهم هذه الظاهرة الطبيعية بشكل لم تعرفه من قبل.
1. ما هو الزلزال؟ نظرة إلى باطن الأرض
الزلزال هو اهتزاز مفاجئ لسطح الأرض. وهو يحدث نتيجة لتحرر سريع للطاقة في القشرة الأرضية. هذه الطاقة تنتشر على شكل موجات. وهي ما نشعر به على السطح.
القشرة الأرضية المتحركة: نظرية الصفائح التكتونية
لفهم الزلازل، يجب أن نفهم أولاً أن سطح الأرض ليس قطعة واحدة صلبة. بل على العكس، هو مقسم إلى قطع ضخمة تسمى “الصفائح التكتونية”. وهذه الصفائح تطفو ببطء شديد فوق طبقة وشاح الأرض المنصهرة. وبالتالي، فهي في حركة دائمة. وهي تتصادم وتتباعد وتحتك ببعضها البعض باستمرار.
نقطة الانهيار: البؤرة والمركز السطحي
عندما تحتك حواف هذه الصفائح ببعضها، فإنها لا تنزلق بسلاسة. بدلاً من ذلك، تتعثر وتتراكم الطاقة بينها. وهذا يشبه الضغط على عصا خشبية. في النهاية، تصل الصخور إلى نقطة الانهيار. حينها، تنكسر فجأة وتتحرر الطاقة المتراكمة. وهذه النقطة تحت سطح الأرض تسمى “البؤرة” (Hypocenter). أما النقطة على سطح الأرض فوق البؤرة مباشرة فتسمى “المركز السطحي” (Epicenter).
الموجات الزلزالية: تموجات الطاقة
بعد ذلك، تنتشر هذه الطاقة المتحررة من البؤرة في جميع الاتجاهات. وهي تنتشر على شكل موجات زلزالية. وهناك أنواع مختلفة منها:
- الموجات الأولية (P-waves): أولاً, هي أسرع الموجات. وهي تضغط وتمدد الصخور مثل موجة الصوت.
- الموجات الثانوية (S-waves): ثانياً, هي أبطأ من الموجات الأولية. وهي تحرك الصخور لأعلى ولأسفل أو من جانب إلى آخر.
- الموجات السطحية: أخيراً, عندما تصل الموجات الأولية والثانوية إلى السطح، فإنها تخلق موجات سطحية. وهذه الموجات هي الأبطأ. ولكنها الأكثر تدميراً.
2. الأسباب الرئيسية لحدوث الزلازل
الزلازل التكتونية: السبب الأكبر
في الواقع، تحدث أكثر من 90% من الزلازل بسبب حركة الصفائح التكتونية. وهي تحدث بشكل رئيسي عند حدود هذه الصفائح. وهناك ثلاثة أنواع من الحدود:
- الحدود التقاربية: هنا، تتصادم صفيحتان. ويمكن أن تغوص إحداهما تحت الأخرى. وهذا يسبب أقوى الزلازل في العالم. مثل تلك التي تحدث في “حلقة النار” حول المحيط الهادئ.
- الحدود التباعدية: هنا، تبتعد صفيحتان عن بعضهما البعض. وهذا يسمح للصهارة بالصعود وتكوين قشرة جديدة. وعادةً ما تكون الزلازل هنا أضعف.
- الحدود التحويلية: هنا، تنزلق صفيحتان أفقيًا بجانب بعضهما البعض. ومثالها الشهير هو صدع سان أندرياس في كاليفورنيا.
الزلازل البركانية وأنواع أخرى
بالإضافة إلى ذلك، هناك أسباب أخرى أقل شيوعًا.
- الزلازل البركانية: فهي تحدث بسبب حركة الصهارة (الماجما) تحت البركان. وعادةً ما تكون هذه الاهتزازات صغيرة. ولكنها قد تكون مؤشرًا على ثوران بركاني وشيك.
- الزلازل الانهيارية: وهي تحدث نتيجة لانهيار الكهوف أو المناجم تحت الأرض. وتكون صغيرة ومحلية جدًا.
- الزلازل المستحثة: وهي من صنع الإنسان. ويمكن أن تحدث نتيجة لأنشطة. مثل ملء الخزانات المائية الكبيرة أو التكسير الهيدروليكي (فركينغ).
3. كيف نقيس قوة الزلازل؟
لقياس قوة الزلازل، يستخدم العلماء مقياسين مختلفين. ومن المهم فهم الفرق بينهما.
مقياس العزم الزلزالي (Mw): لقياس القوة
في الماضي، كان “مقياس ريختر” هو الأكثر شهرة. ولكن اليوم، يستخدم العلماء مقياس العزم الزلزالي. لأنه أكثر دقة، خاصة للزلازل الكبيرة. وهذا المقياس يقيس إجمالي كمية الطاقة المتحررة من الزلزال عند بؤرته. والأهم من ذلك، أنه مقياس لوغاريتمي. وهذا يعني أن زلزالًا بقوة 7 درجات هو أقوى بحوالي 32 مرة من زلزال بقوة 6 درجات.
مقياس ميركالي المعدل: لقياس التأثير
على النقيض من ذلك، لا يقيس مقياس ميركالي طاقة الزلزال. بل يقيس “شدة” الاهتزاز والتأثير في موقع معين. وبعبارة أخرى، هو يصف ما شعر به الناس. وكذلك حجم الضرر الذي حدث للمباني. ويستخدم هذا المقياس الأرقام الرومانية (من I إلى XII). فزلزال من الدرجة II قد لا يشعر به أحد. بينما زلزال من الدرجة XII يسبب دمارًا شاملاً.
4. الآثار المدمرة للزلازل
يمكن أن تسبب الزلازل الكبيرة دمارًا هائلاً. وهذا الدمار يأتي بأشكال متعددة.
- اهتزاز الأرض والانهيارات: بالطبع, هذا هو الخطر الأساسي. حيث يمكن للاهتزاز الشديد أن يؤدي إلى انهيار المباني والجسور.
- تسونامي: عندما يقع زلزال قوي تحت المحيط، يمكن أن يزيح كمية هائلة من الماء. ونتيجة لذلك، تتولد موجات عملاقة ومدمرة تسمى “تسونامي”.
- الانهيارات الأرضية وتسييل التربة: بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاهتزاز أن يزعزع استقرار سفوح الجبال. مما يسبب انهيارات أرضية. وفي بعض الحالات، يمكن أن يحول التربة الرملية المشبعة بالماء إلى ما يشبه الرمال المتحركة. وهذه الظاهرة تسمى “تسييل التربة”.
تُعد الزلازل من أبرز الظواهر الطبيعية المرتبطة بالنشاط الجيولوجي للأرض، وتحدث نتيجة تحرّك الصفائح التكتونية وما ينتج عنها من طاقة تؤدي إلى اهتزاز القشرة الأرضية. ويساعد فهم أسباب الزلازل على تفسير طبيعة هذه الهزات، في حين يوضّح تصنيف أنواع الزلازل اختلاف شدتها وأعماقها ومصادرها. كما يُعد قياس الزلازل خطوة أساسية لتقدير قوتها باستخدام أدوات مثل مقياس ريختر، إلى جانب دراسة مخاطر الزلازل وتأثيراتها على الأبنية والبنية التحتية والبيئة، الأمر الذي يجعل الوعي والاستعداد عنصرين مهمّين في الحد من آثارها.
5. العيش على كوكب نشط
في الختام، يتضح أن الزلازل هي ظاهرة طبيعية معقدة. وهي جزء لا يتجزأ من كوننا نعيش على كوكب نشط جيولوجيًا. فحركة الصفائح التكتونية هي التي تشكل الجبال والمحيطات. ولكنها هي نفسها التي تسبب هذه الاهتزازات المدمرة. على الرغم من أننا لا نستطيع منع الزلازل أو التنبؤ بها بدقة. إلا أن فهمنا لعلمها يساعدنا على الاستعداد بشكل أفضل. وذلك من خلال تصميم مبانٍ مقاومة للزلازل. وكذلك من خلال إنشاء أنظمة إنذار مبكر للتسونامي. وهكذا، نتعلم كيف نتعايش مع قوة كوكبنا الهائلة.
اقرأ في مقالنا عن:
- انفجار بركاني يُرى من الفضاء: طاقة تفوق آلاف القنابل النووية وتأثيرات تمتد إلى المناخ
- مقياس ريختر ما هو.. فمع كل زلزال يبرز اسمه مجددًا
- الصفائح التكتونية: كيف تشكلت القارات وما سبب الزلازل والبراكين
- هل تتنبأ الحيوانات بالزلازل قبل وقوعها؟ بين الأسطورة والحقائق العلمية
- أضواء الزلازل : بين التفسير العلمي ونظريات الأسلحة السرية
- البركان المخروطي: أسرار التكوين وأخطر الثورات البركانية في العالم
- قياس قوة الزلزال؟ فهم مقاييس الزلازل وتأثيرها على العالم
- الهزات الأرضية في الخليج العربي: الأسباب، التأثيرات، وكيفية التنبؤ بها
- الجبال البركانية في السعودية وتاريخها الجيولوجي
- براكين سيبيريا والانقراض العظيم: كيف تسببت الكارثة في “الموت العظيم”؟
ما علاقة الزلازل بالأنشطة البشرية والتغير المناخي؟





