الألوان عند إغلاق العينين: بين الدماغ والضوء والوهم
ماذا يحدث حين نغلق أعيننا ويبدأ عالم من الألوان والأشكال بالظهور؟ كثير منا يختبر لحظات غريبة عند إطفاء الأنوار أو قبل النوم، فنشاهد نقاطًا مضيئة أو دوائر متحركة أو خطوطًا ملونة تتراقص في الظلام. ورغم أن أعيننا مغلقة ولا يوجد ضوء يدخل إليها، إلا أن الدماغ يستمر في “الرؤية” وكأنه لم يتوقف عن العمل لحظة واحدة.
تُعرف هذه الظاهرة في علم الأعصاب باسم الفوسفين (Phosphene)، وهي رؤية ألوان وأنماط بصرية دون وجود ضوء حقيقي. فكيف يخلق الدماغ هذه المشاهد؟ وما علاقة الأعصاب والكيمياء الدماغية بها؟ وهل لها دلالات صحية أو نفسية؟ في هذا المقال سنغوص في تفاصيل هذه التجربة العجيبة التي يمر بها البشر منذ الطفولة حتى الشيخوخة.
ما سر رؤية الألوان عند إغلاق العينين؟
رؤية الألوان عند إغلاق العينين ليست نتيجة خيال كامل، وليست رؤية ضوئية حقيقية أيضًا. إنها مزيج بين نشاط عصبي داخلي وتحفيز بصري غير مباشر. فعند إغلاق العين، لا يتوقف الدماغ عن إرسال الإشارات إلى العصب البصري، لأن هذا الجهاز لم يُخلق ليبقى في حالة صمت تام.
الأمواج الكهربائية في الدماغ تستمر بالعمل حتى أثناء النوم. هذه الأمواج تثير الخلايا البصرية في الشبكية وفي القشرة البصرية، مما يجعلها تنتج صورًا أو ومضات أو أشكالًا هندسية. ولذلك نشاهد أن الألوان تتحرك وتتغير أشكالها في كل مرة نغمض فيها أعيننا.
العوامل التي تؤثر على هذه الألوان
تظهر الظاهرة بشكل أقوى في المواقف التالية:
- عند الشعور بالتعب الشديد أو قبل النوم مباشرة
- بعد النظر فترة طويلة إلى شاشة مضيئة
- عند الضغط على العين أو فركها بقوة
- بعد التعرض لضوء قوي ثم الانتقال فجأة للظلام
- خلال التأمل أو الاسترخاء العميق
ما يحدث هنا هو ارتداد عصبي لمحاولة الدماغ فهم التغيير المفاجئ من الضوء إلى الظلام.
هل لهذه الظاهرة علاقة بالحلم؟
نعم، فالألوان التي نشاهدها في الظلام تُعد بمثابة مرحلة انتقالية بين اليقظة والنوم، حيث يبدأ الدماغ في تخفيض التحليل المنطقي والتركيز على إعادة تنظيم المعلومات. وقد تكون مقدمة للحُلم أو جزءًا من مرحلة “الهلوسة البصرية” التي تحدث قبل النوم مباشرة، والتي تُسمى Hypnagogic Hallucinations. وفي هذه المرحلة، يدخل الإنسان في حالة بين الوعي التام والحلم، فتتداخل الصور والأفكار مع النشاط العصبي العشوائي مما يؤدي إلى رؤية ألوان وأشكال تتفاوت من شخص لآخر.
كما أن هذه الظاهرة ترتبط بمرحلة النوم المسماة REM وهي المرحلة التي تشتد فيها الأحلام. ففي بداية النوم، يبدأ الدماغ بقطع الاتصال التدريجي مع المؤثرات الخارجية، ويبدأ بتوليد صور داخلية تُعد بمثابة أولى لمسات الحلم. لذلك، قد يشعر البعض بأن الألوان تتحول تدريجيًا إلى مشاهد كاملة أثناء الاستغراق في النوم.
وكلما كان الشخص مرهقًا أو يعاني من قلق أو إجهاد عصبي، قد تصبح هذه الألوان أكثر قوة وتنوعًا. وهذا ما يفسّر لماذا يرى الكثيرون صورًا وأضواء لامعة عندما يضعون رؤوسهم على الوسادة بعد يوم طويل.
التفسير العلمي للفوسفين
يتفق العلماء على أن رؤية الألوان عند إغلاق العينين هي نتيجة:
- تنشيط كهربائي عشوائي للعصب البصري
- تحرر مواد كيميائية بصرية داخل الدماغ
- استمرار عمل القشرة البصرية حتى مع غياب الضوء
أي أن الدماغ لا يحتاج إلى الضوء ليُنشئ صورًا، فهو قادر على إنتاجها ذاتيًا. وهذه ميزة تفسّر أيضًا قدرتنا على الحلم، حيث تُخلق المشاهد الليلية بالكامل من داخل العقل دون أي مصدر ضوئي خارجي. كما أن الخلايا البصرية لا تتوقف عن إرسال إشارات، حتى عندما تغيب المثيرات البصرية الحقيقية، مما يجعل الدماغ يفسرها على شكل ومضات أو أنماط هندسية تتحرك وتتلاشى.
وقد وجد الباحثون أن الضغط على العين، أو حتى فركها بخفة، يحفّز المزيد من الإشارات العصبية بسبب الضغط الميكانيكي على المستقبلات الضوئية، وهو ما يؤدي إلى رؤية نقاط ضوئية ملونة تشبه الألعاب النارية الصغيرة داخل الظلام.
هل يجب أن نقلق من رؤية هذه الألوان؟
في معظم الأحيان، هي ظاهرة طبيعية وصحية تدل على نشاط الدماغ. لكن إذا كانت الألوان مصحوبة:
- بصداع شديد
- ألم خلف العين
- فقدان بصري مؤقت
- دوار متكرر
فقد تكون مرتبطة بـالشقيقة البصرية أو بعض الاضطرابات العصبية، وينصح وقتها بزيارة مختص. ومع ذلك، فإن نسبة حدوث هذه الحالات قليلة مقارنة بطبيعة الظاهرة الشائعة لدى البشر، والتي تمثل جزءًا من النشاط المقبول للجهاز العصبي البصري.
إذا لاحظ الشخص زيادة في تكرار ظهور الألوان أو أصبحت مصحوبة بتشوش الرؤية أو اضطرابات بصرية حقيقية خلال النهار، فقد يكون من الأفضل إجراء فحص للعين والأعصاب للاطمئنان.
الفرق بين الألوان الحقيقية والوهمية
الألوان الحقيقية تعتمد على انعكاس الضوء على الأشياء، وصولًا إلى مستقبلات الشبكية. أما الألوان الوهمية فمصدرها داخلي: الأعصاب والدماغ. لذلك فهي لا تحتاج إلى وجود جسم يُصدر الضوء أو يعكسه، بل تعتمد فقط على استمرار نشاط الجهاز البصري.
ولهذا السبب، يشعر الإنسان أن تلك الألوان غير مستقرة، فهي تتحرك وتتلاشى بسرعة، وتتحول إلى أشكال أخرى دون نمط ثابت. إنها انعكاس لحركة الإشارات العصبية غير المنتظمة داخل الدماغ، والتي يقوم العقل بترجمتها إلى صور وألوان نحسّها بوضوح رغم أنها غير موجودة في الواقع.
علاقة هذه الظاهرة بالخيال والوعي
تشير الدراسات الحديثة إلى أن رؤية ألوان في الظلام قد تعكس مستوى الإبداع واستخدام الخيال البصري. فالدماغ يحاول تعويض غياب المدخلات الحسية بإنتاج صور داخلية تُظهر قوة المخيلة، خاصة عند الأشخاص ذوي القدرات الإبداعية العالية.
كما وجد الباحثون أن بعض الأطفال يرون ألوانًا أكثر وضوحًا من الكبار، لأن أدمغتهم ما تزال في ذروة نشاطها البصري وتشكيل الروابط العصبية الجديدة. ومع تقدم العمر، تقل حدة الظاهرة عادة بسبب انخفاض حساسية الشبكية وتراجع النشاط الكهربائي العشوائي داخل الدماغ.
وفي التأمل وممارسة اليوغا وتمارين الاسترخاء، يُمكن أن يصبح الدماغ أكثر وعيًا بما يحدث داخله من صور عصبية، وبالتالي تتزايد ظاهرة رؤية الألوان عند إغلاق العينين، كجزء من تعزيز التواصل بين الوعي والخيال البصري.
ملخص سريع للظاهرة
| العنصر | التفسير |
|---|---|
| سبب ظهور الألوان | نشاط عصبي داخلي دون وجود ضوء |
| اسم الظاهرة | الفوسفين |
| متى تظهر؟ | قبل النوم، عند التعب، بعد ضوء قوي |
| هي خطيرة؟ | طبيعية غالبًا إلا مع أعراض إضافية |
الأسئلة الشائعة
هل الألوان التي نراها في الظلام حقيقية؟
لا، هي ليست انعكاسًا لضوء حقيقي، بل نشاط عصبي يُفسّره الدماغ كألوان وأشكال.
لماذا تتغير الألوان والأشكال باستمرار؟
لأن مصدرها ليس ثابتًا، بل الإشارات الكهربائية المتذبذبة داخل الشبكية.
هل يمكن التحكم بهذه الألوان؟
بعض الأشخاص يمكنهم التأثير عليها من خلال التأمل أو التركيز الذهني، لكن بشكل عام تبقى عشوائية.
هل تشير هذه الظاهرة إلى مشكلات صحية؟
نادراً ما تكون مرضية، إلا إذا ظهرت مع صداع قوي أو تغيّرات في الرؤية.
الخلاصة
الألوان التي نشاهدها عند إغلاق العينين ليست لغزًا خارقًا، بل دليل على عبقرية الدماغ الذي يعمل بلا توقف. هذه الظاهرة تكشف كيف يمزج العقل بين الفيزياء والكيمياء والخيال ليخلق صورًا داخلية مذهلة. وعندما ندرك آليتها، نزداد إعجابًا بقدراتنا البصرية، التي قد تبدو بسيطة لكنها في الحقيقة من أعقد ومعجزات الحياة.
اقرأ في مقالنا عن:
- اللون الذي تراه ليس أسودًا: حين تُغمض عينيك… ماذا ترى فعلًا
- قصة اللون الأسود: من رمز للخوف إلى ملك الأناقة والفخامة
- لماذا لا يمر الضوء عبر الأجسام غير الشفافة؟ شرح علمي مبسط
- أسباب كثرة الأحلام: لماذا نحلم كثيرًا ومتى يكون الأمر مقلقًا؟
- ما الذي يسبب الأحلام؟ استكشاف علمي لوظائف النوم الغامضة
- لماذا ترمش العين؟ دليل علمي شامل يجيب على أسئلة العين المحيرة
- أسرار الدماغ: أحدث الدراسات حول الذاكرة والإدراك
- هل نحلم بالأبيض والأسود أم بالألوان؟ العلم يكشف الحقيقة
- الأحلام والإبداع: كيف يغذي عقلك الباطن خيالك أثناء النوم؟
ما سبب رؤية البعض لأنماط غريبة عندما يغمضون أعينهم؟





