أصوات الأرض الغامضة: العلماء يفسرون ظاهرة “الهمهمة” التي حيّرت العالم
أصوات من أعماق الأرض… لغز حيّر العلماء
في العقود الأخيرة، سجّل سكان مدنٍ عدة حول العالم ما يُعرف باسم أصوات الأرض الغامضة، وهي الهمهمة العميقة التي حيّرت العلماء وأثارت تساؤلات حول طبيعتها ومصدرها.
هذا الصوت الغريب منخفض النبرة، مستمرٌّ أحيانًا لساعاتٍ طويلة، لا يُعرف مصدره بدقة، يصفه البعض بأنه يشبه هدير محرك بعيد أو أزيزًا خافتًا يخرج من أعماق الأرض, ظاهرة أطلق عليها العلماء اسم “The Hum” أو “الهمهمة الأرضية” .
هذا الصوت الغامض حيّر الناس في أماكن مختلفة: من تاوس في نيو مكسيكو (Taos Hum) إلى بريستول في إنجلترا (Bristol Hum)، مرورًا ببعض مناطق كندا وأستراليا ونيوزيلندا، بل وحتى في أعماق البحار والمحيطات! فما سر هذه الهمهمة الأرضية؟ وهل هي ظاهرة فيزيائية طبيعية؟ أم نغمة كونية تنبع من قلب الأرض؟
قال الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ [الإسراء: 44]، وفي هذا تساؤل عميق: هل ما نسمعه من أصوات الأرض هو نوعٌ من التسبيح الكوني؟ أم مجرد ظواهر جيولوجية تُذكّرنا بأن كوكبنا كائن حي نابض بالحركة؟
في هذا المقال، سنغوص معًا في أعماق هذا اللغز المثير، ونتعرف على أهم الفرضيات العلمية التي حاولت تفسير أصوات الأرض الغامضة، وكيف تم رصدها، وأين تظهر أكثر، وهل حقًا يسمعها الجميع؟ كما سنتأمل في الجانب الإيماني الذي يدعو إلى التفكر في عظمة الخالق وقدرة الأرض على “الكلام” بلغتها الخاصة.
ما هي ظاهرة الهمهمة الأرضية؟
الهمهمة الأرضية هي أصوات منخفضة التردد (بين 30 و300 هرتز) تُسمع أحيانًا دون أجهزة، وتُسجَّل غالبًا بواسطة حساسات صوتية دقيقة. وهي ليست ناتجة عن الزلازل أو البراكين أو النشاط الصناعي دائمًا، بل تحدث أحيانًا في أماكن هادئة لا وجود لأي نشاط جيولوجي فيها.
1. الفرضيات العلمية لتفسير الظاهرة
اختلف العلماء حول سبب هذه الأصوات، فظهرت عدة تفسيرات علمية:
- الاهتزازات الزلزالية الصغيرة: يرى بعض الباحثين أن الهمهمة تنتج عن اهتزازات دقيقة داخل القشرة الأرضية بسبب حركة الصفائح التكتونية أو الأمواج الزلزالية المستمرة.
- الموجات المحيطية: فريق آخر يربطها بتفاعل الأمواج في المحيطات، حيث تُحدث الموجات الطويلة ضغطًا دوريًا على قاع البحر، فيُنتج اهتزازات مستمرة تنتقل عبر اليابسة.
- الرنين الجوي: بعض الدراسات أشارت إلى أن الغلاف الجوي نفسه قد يصدر أصواتًا ناتجة عن تغيرات الضغط والحرارة.
- تداخلات بشرية: في بعض المدن، قد تكون الهمهمة ناجمة عن مصادر صناعية مثل محطات الكهرباء أو توربينات الرياح.
اقرأ في مقالنا عن: ما هي ظاهرة “دورة استبدال جدار العين” التي قد يتسبب بها إعصار ميلتون؟
2. أشهر أماكن رُصدت فيها الهمهمة
| المنطقة | الاسم المحلي | سنة الرصد | عدد الشهود |
|---|---|---|---|
| تاوس، الولايات المتحدة | Taos Hum | 1992 | أكثر من 200 شخص |
| بريستول، إنجلترا | Bristol Hum | 1979 | آلاف السكان |
| وينيبيغ، كندا | Windsor Hum | 2011 | مئات البلاغات |
| نيوزيلندا | Wellington Hum | 2013 | مرصودة بالميكروفونات |
3. هل يسمعها الجميع؟
المثير أن نسبة صغيرة من البشر فقط يمكنهم سماع هذه الأصوات، وغالبًا تكون الفئة الحساسة للترددات المنخفضة أو من يعيشون في مناطق هادئة جدًا. لذلك، يُطلق عليهم العلماء لقب “السامعين للهمهمة” (Hearers). ويرجح بعض الباحثين أن الأمر قد يرتبط بعوامل سمعية أو عصبية خاصة، مثل زيادة حساسية الأذن الداخلية أو اختلاف معالجة الصوت في الدماغ.
4. التسجيلات والقياسات الحديثة: حين تتحدث الأرض بلغةٍ لا نسمعها
لم تعد أصوات الأرض الغامضة مجرّد روايات متفرقة أو شهاداتٍ سمعية من السكان، بل أصبحت حقيقةً علمية مدعومة بالأدلة والرصد الفضائي المتقدم. ففي عام 2017، سجّلت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عبر أقمارها الصناعية اهتزازات كوكبية دقيقة تُصدر موجات صوتية مستمرة، حتى في غياب أي نشاط زلزالي واضح. هذه الموجات أشبه بنبضات كوكبٍ حي، تنبثق من أعماقه وتنتشر عبر غلافه الجوي.
وقد أكّد العلماء أن هذه الاهتزازات ليست ضوضاءً عشوائية، بل نمط متكرر ومنتظم أشبه بموسيقى كونية. ولهذا السبب أطلق بعض الباحثين على كوكبنا لقب “الكوكب الموسيقي” أو “Earth’s Natural Symphony”، في إشارة إلى أن الأرض لا تصمت أبدًا، بل تُصدر نغمة منخفضة التردد، قد لا تُسمع بالأذن البشرية، لكنها تُرصد بالأجهزة عالية الحساسية.
ووفقًا لبحثٍ نُشر في مجلة Geophysical Research Letters، فإن هذه الهمهمات يمكن تسجيلها في كل مكان من الكوكب، حتى في قيعان المحيطات، والمناطق الجليدية، والسهول القارية الهادئة، ما يعني أن الهمهمة الأرضية جزء من البنية الترددية الأساسية للأرض، تمامًا كما تمتلك الكائنات الحية نبضًا، يمتلك الكوكب همسًا وإيقاعًا خاصًا.
ويرى بعض الفيزيائيين أن هذه الظاهرة تفتح الباب أمام دراسة جديدة تُعرف بـعلم الاهتزازات الكوكبية (Planetary Seismology)، الذي يهدف إلى قراءة “لغة الأرض” من خلال تردداتها، واستخدامها في التنبؤ بالتغيرات الجيولوجية والمناخية، بل وربما فهم العلاقة بين الغلاف الجوي والمحيطي والباطني في تكوين أصوات الأرض الغامضة.
بهذا، لم تعد الأرض صامتة كما كنا نعتقد، بل كائنٌ نابضٌ يُعبّر عن نفسه بطرقٍ لا تُرى ولا تُسمع إلا بالتكنولوجيا الدقيقة. إنها رسالةٌ علمية وإيمانية معًا: أن هذا الكوكب الذي نحيا عليه يعيش بدوره، ويتنفس، ويتحدث بلغةٍ لا نفقهها، لكنها موجودة منذ الأزل.
اقرأ في مقالنا عن: ما هي نواة الأرض؟ رحلة إلى مركز الكوكب لفهم النواة الداخلية والخارجية
الأسئلة الشائعة حول أصوات الأرض الغامضة
هل تعتبر الهمهمة علامة على نشاط زلزالي خطير؟
لا، لم تُسجّل علاقة مباشرة بين الهمهمة والزلازل الكبرى، وغالبًا ما تكون الاهتزازات ضعيفة جدًا.
هل يمكن تسجيل هذه الأصوات بالأجهزة العادية؟
تحتاج إلى حساسات صوتية متخصصة لأن ترددها منخفض جدًا عن قدرة الميكروفونات المنزلية.
هل يسمعها الجميع بنفس الدرجة؟
لا، فبعض الناس أكثر حساسية لترددات معينة، بينما لا يسمعها آخرون إطلاقًا.
هل يمكن أن تكون رسالة إلهية؟
القرآن يربط كل ظواهر الكون بالتسبيح الإلهي، لذا يمكن اعتبارها تذكيرًا بعظمة الخالق لا نذيرًا بالعقاب.
حين تتكلم الأرض بلغةٍ لا نسمعها جميعًا
تذكّرنا أصوات الأرض الغامضة بأن كوكبنا ليس صامتًا، بل حيٌّ ينبض ويتحدث بلغته الخاصة، لغةٌ لا تُدركها الآذان دائمًا، لكن تُصغي إليها الأرواح. ما بين التفسير العلمي والتأمل الإيماني، تظل الهمهمة لغزًا جميلاً يدعونا للتفكر: هل نحتاج أن نسمع أكثر لنفهم الكون؟ أم نؤمن أكثر لنسكن إليه؟ قال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [فصلت: 53].
اقرأ في مقالنا عن:
- خلوقات بحرية منقرضة ولكن هناك من شاهدها حديثًا
- البرق الذي يضرب من السماء إلى الفضاء: اكتشاف أغرب الظواهر الجوية
- الثقب الأسود: أسرار الظاهرة الكونية الأكثر غموضًا
- ألغاز الكون الكبرى: 5 أسئلة لم يتمكن العلم من حلها بعد
- عجائب طبيعية غامضة , أغرب 5 عجائب طبيعية غامضة لم يجد لها العلم تفسيرًا قاطعًا
- الألغاز العلمية التي لم تُحل حتى الآن: أسرار تحير العلماء
- الظواهر الفلكية النادرة: مشاهد سماوية مدهشة تذهل العلماء والمراقبين
- عجائب الفضاء: أسرار الكون بين الإعجاز والعلم الحديث
- أغرب الاكتشافات العلمية التي غيّرت نظرتنا للعالم
العلماء يفسرون «الأصوات الغريبة» القادمة من أعماق المحيط





